كتاب عربي 21

المسكوت عنه في اليمن

1300x600
السياسيون في العادة يحبون أن توليهم وسائل الإعلام اهتماماً، ويتحينون الفرص للظهور فيها، إما لحاجة لديهم لإيصال فكرة أو رسالة، أو لمجرد البقاء تحت الضوء. لكنهم، مع ذلك ليسوا في ذلك سواء. بالأمس صادفت سياسياً كبيراً من اليمن، وعرضت عليه أن نستضيفه في قناة الحوار للتعليق على آخر المستجدات في القضية اليمنية، فاعتذر بكل لطف، وقال: "إنني محتجب عن الإعلام". سألته: "ولم الاحتجاب؟" وفعلاً، لم الاحتجاب والناس في أمس الحاجة لأن تسمع من أمثاله وجهة نظر فيما يجري، وما يجري كثير، وما يلتبس على الناس منه أكبر بكثير. 

قال لي: "وماذا عساي أقول للناس؟ وهل أكذب عليهم لأرضي فلاناً من الناس أو دولة من الدول، أم أقول الحق وألحق الضرر بكثيرين ممن شردوا في الداخل والخارج بسبب الحرب في اليمن؟". 

وبدأ يسرد لي ما كنت فعلاً أتمنى أن يكون عبر شاشة قناة الحوار. أكد لي أن حملة التحالف الدولي الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن لم تحقق لليمنيين الحد الأدنى مما كانوا يتمنون ويرجون. فالنظام في السعودية شديد التردد، ويتعرض لضغوط دولية كثيراً ما يجري تحويلها على الأرض إلى أوامر لمن يخوضون حرب التحرير ضد الحوثيين وحلفائهم بأن توقفوا، ولا تستمروا، ولا تقتحموا، ولا تتجاوزوا، إلى آخر ما ينغص عليهم ويفقدهم الفرص، ويقطع عليهم السبيل، ويمكن الحوثيين وقوات المخلوع صالح من إعادة ترتيب أوضاعهم مستفيدين من توقف القتال بشكل منفرد وأحادي بأوامر من التحالف الدولي. وقال لي إن ما يُفاقم من الأمر أن منظومة الحكم في السعودية لا يبدو أنها تعرف ماذا تريد، وأنها في نفس الوقت عرضة للنزاعات والتنافسات داخل العائلة الحاكمة. 

بل أخبرني السياسي اليمني أن التردد في الحسم من قبل السعوديين تحول إلى فرص ذهبية لإيران ومن تدعمهم على الأرض.

وما فاقم من الأوضاع هزالة وسوء إدارة ما يسمى بالحكومة الشرعية بقيادة هادي، الذي يسهم من خلال تصرفاته الفردية، وتدخله في تفاصيل التفاصيل، وتطفيشه لمن حوله، في عرقلة جهود التمكين السياسي لمن يقاتلون في صف الشرعية. وذكر لي من أحوال هادي ما لا يبشر بخير، ولا يبعث على الطمأنينة، وكأنما ابتلي اليمنيون في أحلك ظروفهم بأسوأ من يمكن أن يتولى قيادتهم وتدبير أمورهم. 

والأدهى من ذلك والأمر، هو الدور المشبوه الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة، التي سيطرت على عدن، فأجلت منها كل من تعتبرهم من الإسلاميين والشماليين، ومكنت لفصيل موال لها، فعم الشعور لدى كثير من اليمنيين أنهم باتوا أسرى لاحتلال من نوع جديد تحت سلطة الإمارات. بل لا يقتصر الدور الإماراتي على ذلك، فكثير من المنافذ البحرية التي تقع تحت سيطرتهم يتمكن الحوثيون من تهريب السلاح من خلالها، وقد تمكنوا بفضل غض الإماراتيين الطرف عنهم، بل وربما التواطؤ معهم، حتى من تطوير منظومة صواريخ بات بإمكانهم الآن بفضلها أن يستهدفوا جدة وما بعد جدة. 

بعد أن تركتُ صديقي السياسي اليمني وعدتُ أدراجي إلى البيت سمعتُ أخبار الاتفاق الذي يقال بأن وزير الخارجية الأمريكي كيري أبرمه في مسقط، العاصمة العمانية، مع الحوثيين بمباركة عُمانية وبموافقة إماراتية وسعودية. وإذا بالطرف الوحيد الذي لم يُستشر ولم يعلم بشيء إلا من وسائل الإعلام هو الحكومة الشرعية المحاصرة في الرياض، والتي لا تملك كثيراً من النفوذ على الأرض داخل اليمن.

أعلن كيري في مؤتمر صحفي عقده في أبو ظبي بعد أن وصلها من مسقط بأنهم يريدون الآن تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الحوثيون والمخلوع صالح، ولم يأت على ذكر الحكومة الشرعية أو من يمثل الشق الآخر من اليمن الذي يقاتل ضد الحوثيين والمخلوع منذ شهور طويلة. واحسرتاه على اليمن وأهله. وكأنما دُمر اليمن عن بكرة أبيه وشُرد أهله وقتل أبناؤه وبناته حتى يعود مجرمو الحرب والقتلة ليشاركوا في السلطة، هذا إذا لم تُسلم لهم حصرياً على طبق من فضة، أو حتى من ذهب. ولعل هذا يذكرنا بأصل المشكلة ومنبت المصيبة، إنه التآمر الخليجي (الإماراتي – السعودي) على الربيع العربي في اليمن وغير اليمن، وهو الذي مكن في الأساس للحوثيين وبث الحياة من جديد في علي عبد الله صالح وزمرته، وهو الذي فتح الباب على مصراعيه أمام إيران لتقتحم على أهل اليمن وتقيم بين ظهرانيهم قواعد متقدمة لها. 

نفس السيناريو اليمني يُراد له أن يتكرر في سوريا وفي ليبيا، حيث تلحق الهزيمة بمن طالبوا بالتغيير والإصلاح، ويُهمش كل من ثار على الظلم والفساد، ويمكن من مقاليد الأمور فلول الأنظمة التي ثارت الشعوب عليها رجاء أن تنعتق من الاستبداد وتستعيد كرامتها وحريتها. يبدو أن ما يريده الأمريكان ومن يحالفهم هو بقاء بشار في دمشق، وتمكين حفتر من ليبيا، وعودة المخلوع أو من يمثله ليجلس على كرسي الحكم في صنعاء من جديد، وذلك بعد أن أنفقت المليارات لضمان عودة نظام العسكر في مصر والقضاء على آمال الشعب في الخلاص. 

فعلاً، ماذا عسى السياسي الصادق أن يخرج على الإعلام ليقول إن لم يكن يستطيع – لاعتبارات وجيهة – أن يصدح بما هو حق؟ لو تفوه صديقي السياسي اليمني بأي شيء من هذه الأفكار التي عبر لي عنها في لقائنا القصير لربما نال كثيراً من اليمنيين في السعودية وفي الإمارات وفي داخل اليمن ضرر كبير. لقد آثر السكوت على مضض لعلمه أننا بتنا في زمن الذئاب فيه هي التي تحرس الغنم، وأما الراعي الأمين فلا أثر له بعد.