حقوق وحريات

صفعة جديدة للسيسي: على حكومته القصاص للأسرى (فيديو)

اسرى مصريون
في حكم تاريخي، ألزمت المحكمة الإدارية العليا، السبت، الحكومة المصرية، بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (أول درجة)، باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالقصاص للأسرى المصريين خلال حربي عامي 1956 و1967، وتعويضهم عما لحق بهم من جرائم قتل وتعذيب، ومقاضاة إسرائيل دوليا، رافضة الطعن المقدم من الحكومة على ذلك الحكم.

واستندت المحكمة في حكمها إلى أن "الدولة ملزمة بالدفاع عن مصالح وحقوق مواطنيها في مواجهة غيرها من الدول، لا سيما في الحالات التي تكفل فيها قواعد القانون الدولي للأفراد حق مقاضاة الدول الأجنبية".

وهذا ثاني حكم يصدر عن المحكمة نفسها (الإدارية العليا)، برفض طعن للحكومة على حكم محكمة أول درجة، في أقل من أسبوع، فيما عدّه مراقبون ونشطاء "صفعة جديدة للسيسي، إذ أصدرت المحكمة، في حكم نهائي مماثل، يوم الاثنين 16 كانون الثاني/ يناير الحالي، حكمها برفض طعن الحكومة على حكم محكمة القضاء الإداري، ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، التي تقضي بتبعية جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر للمملكة.

وكان عدد من أهالي الضحايا في حربي 1956 و1967 أقاموا دعوى قضائية، طالبوا فيها الحكومة بمقاضاة إسرائيل دوليا، جرَّاء ما لحق بهم من أضرار وتعذيب وجرائم خلال الحربين، مشيرين إلى أن تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأنها تمثل جرائم حرب، وأنه لا بد أن يتم تعويضهم.

وفي حيثيات حكمها غير المسبوق، قالت المحكمة إن أوراق الدعوى أظهرت أن الحكومة المصرية فرطت في دماء الشهداء الذين استشهدوا في الأسر على يد جنود إسرائيليين، وتهاونت في حق الأسرى الذي عُذبوا في الأسر، وخذلت حقوق المواطنين؛ بتقاعسها عن مطالبة إسرائيل بالتحقيق في تلك الجرائم.



ثبوت جرائم القتل والتعذيب الإسرائيلي للأسرى

وأضافت المحكمة أنه ثبت لها من الأوراق أن أفرادا من جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكبوا جرائم قتل وتعذيب للأسرى المصريين من العسكريين، بعد وقوعهم في الأسر عامي 1956 و1967، كما قتلوا وعذبوا مواطنين مدنيين ليست لهم صفة عسكرية من الموظفين والعمال والأفراد العاديين، حسبما كشفت الأوراق.

وأشارت إلى أن بعض أفراد الجيش الإسرائيلي أفصحوا لوسائل الإعلام الإسرائيلية عن ارتكابهم تلك المجازر الوحشية في حق أبناء مصر، كما أقدم الجيش الإسرائيلي على قتل المدنيين المصريين في مدن القناة، ودمر مساكن وممتلكات المواطنين عام 1967، وأثناء حرب الاستنزاف.

وأكدت المحكمة أن ما أقدم عليه الجيش الإسرائيلي من أعمال تشكل جرائم حرب وإبادة للجنس البشري، وأنها ارتكبت حروبا عدوانية غير مشروعة -وفقا للقانون الدولي- لا تسقط بالتقادم .

واستطردت بأن اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، التي وقعت عليها مصر وإسرائيل، توفر لمصر الحق في مطالبة إسرائيل بإجراء التحقيق في الادعاءات بقتل الأسرى المصريين، وأن تلتزم إسرائيل بإجراء التحقيق وملاحقة المتهمين، كما تتيح بنود "معاهدة السلام" الأمر نفسه.



الحكومة فرطت وتهاونت

وعلى صعيد موقف الحكومة المصرية إزاء ما سبق، قالت المحكمة إن الحكومة المصرية -ممثلة في وزارة الخارجية- لم تقم في مواجهة بث التلفزيون الإسرائيلي للفيلم الوثائقي "روح شاكيد"، الذي يظهر مقتل 250 جنديا مصريا خلال حرب 1967 على أيدي الجيش الإسرائيلي، سوى بإجراءات دبلوماسية خجولة ومحدودة الأثر، ولا ترقى لمستوى الحدث.

وشددت المحكمة أن ما اتخذته وزارة الخارجية من إجراءات لم يثبت أن أيا منها قد أحدث أثرا، كما لم يثبت أن وزارة الخارجية تابعت المطالبة، أو صعدت من وسائلها الدبلوماسية والقانونية.

وقالت المحكمة: "لم تقدم وزارة الخارجية حتى حجز ذلك الطعن للحكم، وعلى مدى سنوات أعقبت صدور حكم محكمة القضاء الإداري، ما يثبت أنها قامت بما يجب عليها في سبيل محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين الذي قتلوا أسرى الحرب والمدنيين المصريين، برغم وجود الآلية القانونية التي تتيح ذلك".

القضاء العسكري قدم تعليلا فاسدا

وأشارت المحكمة إلى أن هيئة القضاء العسكري أرسلت ردا على الدعوى دفعت فيه برفض الدعوى على سند أنه يوجد بقيادات المناطق العسكرية والجيوش مقابر للشهداء يُرمز لها بمقابر الجندي المجهول، وأن مجهودات القوات المسلحة تتم وفقا لما تتيحه الاتفاقيات الدولية المنظمة لأسرى الحرب.

وردا على ذلك، قالت المحكمة إن ذلك الرد لم يحدد أي إجراء أو عمل اتخذ بالفعل للمطالبة بحقوق أفراد القوات المسلحة الذين قتلوا في الأسر أو عذبوا وفقا لما تتيحه اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بحماية أسرى الحرب، كما لم يحدد أي عمل أو إجراء فعلي اُتخذ للمطالبة بالتعويض عن قتل وتعذيب الأسرى المصريين، وفقا للمادة الثامنة من "معاهدة السلام" المبرمة مع إسرائيل.

أين العقاب لدولة العدوان؟

وشددت المحكمة أن التكريم الحقيقي للشهداء من الأسرى يكون بعقاب من قتلهم غدرا، وبإلزام دولة العدوان بتعويض ذويهم، حتى لا يتجرأ أحد على ارتكاب تلك الجرائم بحق جيش مصر، مستطردة: "أما إذا هان المواطن المصري على دولته، فإنه يهون على الدول الأخرى".

ونبهت المحكمة إلى أن من الوقائع والمعلومات المعلومة للكافة أن إسرائيل وغيرها من الدول الأجنبية اتخذت إجراءات لدى السلطات في مصر في أكثر من واقعة تتعلق بحماية حقوق مواطنيها، ومنها حالات تتعلق بمواطن واحد، واستجاب مجلس الوزراء ووزارة الخارجية في مصر، ووفرت الحماية الجنائية، ودفعت التعويضات للأجانب، ومن ثم فيجب عليها، إن لم تبادر إلى القيام بواجبها في حماية حقوق المواطنين المصريين، خضوعا لأحكام الدستور الذي يلزمها بذلك، أن تتدخل لحماية تلك الحقوق، إعمالا لمبدأ المعاملة بالمثل بين الدول.

وشددت أن أوراق الدعوى والطعن كشفت وأظهرت أن الجهة الإدارية فرطت في دماء الشهداء الذين استشهدوا في الأسر على يد أفراد الجيش الإسرائيلي، وتهاونت في حق الذين عذبوا الأسرى، وفي حق المدنيين الذين أضيرت أملاكهم وحقوقهم بسبب العدوان الإسرائيلي، وأنها لم تسع إلى حقهم، وتقاعست عن مطالبة إسرائيل بتعويض ذوي الأسرى والمدنيين، إلى جانب تعويض الأسرى الأحياء، ومن توفي منهم أيضا، مع توافر الوسائل القانونية التي تملكها جهة الإدارة".

وخلص قرار المحكمة إلى أنه "لهذه الأسباب حكمت المحكمة، بإجماع الآراء، برفض الطعن، وألزمت جهة الإدارة بالمصروفات".

وصدر الحكم برئاسة المستشار محمد أبو ضيف، وعضوية المستشارين سامي درويش ومحمود شعبان.