قضايا وآراء

ما الذي يقلق الإسرائيليين من ترامب؟

1300x600
شهدت الساحة الإسرائيلية، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، حالة من الفرح غير المسبوق، المصحوب بنشوة الشعور بالنصر، بفوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بصورة لم يسبق لها مثيل، حتى راح البعض يصور فوز ترامب بأنه هدية من السماء.

وقد سارع بعض المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ خطوات غير مسبوقة، مثل ضم مناطق استيطانية في الضفة الغربية، خاصة منطقة معالييه ادوميم، ومنهم من دعا إلى الطلب من الإدارة الأمريكية القادمة الاعتراف بضم الجولان بعد أن ضمن الجميع اعترافا أمريكيا بضم القدس، بحسب الوعود التي قطعها ترامب بأنه سينقل السفارة الأمريكية للقدس خلال حملته الانتخابية.

ومما زاد من ارتياح الإسرائيليين ما صرح به ترامب بعد صدور قرار مجلس الأمن 2334 الذي يندد بإسرائيل بسبب سياستها الاستيطانية، حيث أبدى ترامب غضبا واستهجانا من امتناع المندوبة الأمريكية عن استخدام حق الفيتو ضد القرار، علاوة على تصريحه بأن "الأمور بعد 20 كانون الثاني/ يناير ستكون مغايرة"، الأمر الذي دفع نتانياهو إلى القول بأن ما قبل 20 كانون الثاني/ يناير سيكون من التاريخ، وما بعده سيكون عالما جديدا وأملا أمام دولة إسرائيل.

في ظل هذه الموجة من الترحيب، برزت عدة أصوات لعدد من الشخصيات السياسية والإعلامية تدعو الساسة الإسرائيليين إلى التريث وعدم الاندفاع تجاه إدارة ترامب، وترك مسافة بين إسرائيل والإدارة الجديدة، بالرغم من كل المواقف المنحازة لهذه الإدارة. وقد برزت المخاوف من عدة جوانب، كالتالي:

- الخشية لدى قطاع معين من السياسيين الإسرائيليين؛ من اليسار والوسط ومؤيديهم من أنصار حل الدولتين، من أن المواقف المنحازة للرئيس ترامب ستدفع الحكومة الإسرائيلية اليمينية إلى تسريع سياسة الاستيطان وضم الأراضي في الضفة، مما يؤدي إلى انهيار مشروع حل الدولتين، وبالتالي انهيار العملية السياسية وفقدان الأمل لأي حل سياسي بعد ذلك.

- هناك قلق لدى عدد من الخبراء، حتى من أنصار اليمين، من أمثال الجنرال المتقاعد عميدور درور رئيس مجلس للأمن القومي في عهد نتنياهو، وتال رسو السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة، اللذين حذرا من أن فوز ترامب بشعاراته المؤيدة لإسرائيل والتصاق اسم إسرائيل بالرئيس ترامب؛ سيؤدي إلى خسارة إسرائيلية واسعة داخل الحزب الديمقراطي، كما أن الخسارة ستزداد عمقا داخل الحزب الديمقراطي لأن فوز ترامب جاء على حساب هيلاري كلينتون المحسوبة على يمين الحزب الديمقراطي، الأمر الذي سيؤدي إلى تعزيز سيطرة اليسار في الحزب الديمقراطي الذي يقوده المرشح السابق للرئاسة بيرني ساندرز الذي يتبنى مواقف معارضة للسياسات الإسرائيلية. كل ذلك يشكل خسارة كبيرة لكتلة شعبية كبيرة في الشارع الأمريكي، بحسب نتائج الانتخابات التي أكدت أن هيلاري كلينتون قد حصلت على أصوات أكثر من ترامب بحوالي 3 ملايين صوت، بالرغم من فوزه بأصوات المجمع الانتخابي، الأمر الذي دفع الكاتب الإسرائيلي نيسان شور للتحذير من أن "صعود ترامب سيفضي إلى ولادة يسار أمريكي راديكالي سيعادي إسرائيل".

- حالة الانقسام الحاد في الشارع الأمريكي، وحالة الاستقطاب ضد ترامب وحلفائه في الداخل والخارج؛ ستصب في غير صالح إسرائيل على المدى الطويل. ويرى هؤلاء الخبراء أن خسارة إسرائيل ستتضاعف في حال فشل ترامب في تحقيق وعوده بتحسين الأوضاع الاقتصادية داخل الولايات المتحدة.

- التخوف من أن حالة الشعبوية والمعادية للآخر التي تسيطر على أنصار ترامب، ربما تطال إسرائيل نفسها، ولا سيما أن هناك جماعات من أنصار ترامب يرفعون شعارات نازية، وهذا مؤشر خطير يشير إلى أن إسرائيل ربما تكون هدفا لهؤلاء النازيين الجدد في مرحلة معينة.

- الخشية من أن تكون سياسة ترامب "أمريكا أولا" والتي تفضي إلى تقليص المساعدات الخارجية الأمريكية للدول الأخرى، ربما تؤدي إلى دفع ترامب إلى مراجعة بنود المساعدات الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل، والتي تقدر بحوالي 38,8 مليار دولار للسنوات العشر القادمة.

- السياسة الهوجاء للرئيس ترامب والتي لا يمكن التكهن بها؛ ربما تلحق الضرر بإسرائيل. ففي احتمال حدوث تعارض في بعض المواقف، ربما توجه هذه السياسة الهوجاء ضد إسرائيل من قبل الرئيس ومن قبل مؤيديه، وحينها ستكون خسائر إسرائيل كبيرة. وبالرغم من أن هذا السيناريو تخيلي، لكنه غير مستبعد وقوعه. ومن التجربة اليهودية في التاريخ، فإن زعامة مثل زعامة ترامب، اندفاعية تتصرف بانطباعاتها الشخصية ولا تتبنى إيديولوجية سياسية محددة، لا يمكن الوثوق بها كثيرا، لأنها قد تكون أكثر ضررا للمصالح الإسرائيلية.

- القلق الدولي من تصريحات وخطوات ترامب ضد دول أخرى، خاصة تلك الدول الصديقة لإسرائيل في الساحة الدولية، سيجعل من الالتصاق بمواقف ترامب عبئا كبيرا، وسيجعل إسرائيل هدفا للنقد، وربما الأعمال الانتقامية ضد مصالحها، وليس أدل على ذلك التصريحات الغاضبة من دولة المكسيك ضد نتنياهو بسبب تغريدة له دعم فيها فكرة بناء الجدار الفاصل على الحدود الأمريكية مع المكسيك، مما أثار حفيظة المسؤولين المكسيكيين، وتم استدعاء السفير الإسرائيلي هناك لتوبيخه. وعلاوة على ردة الفعل المكسيكية، سُمعت أصوات أمريكية غاضبة. وقد نقل عن السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، دان شفيروا، القول إن تصريحات نتنياهو أثارت غضب الحزب الديمقراطي، وإن هذه التصريحات تعد خروجا عن الأعراف الدبلوماسية.

لذلك هناك خشية لدى بعض الإسرائيليين من أن تأتي الساعة التي يترحمون فيها على عهد الرئيس أوباما، بالرغم من كل الخلافات التي كانت تسود في عهده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. فهل تأتي؟ لا أحد يدري!!