كتاب عربي 21

المنشآت النفطية والموارد مسرحا لمرحلة جديدة من الحرب اليمنية

ياسين التميمي
1300x600
1300x600

الهجوم الذي نفذته جماعة الحوثي ظهر الجمعة الماضية بواسطة طائرتين مسيرتين على ميناء "ضبة" النفطي، الواقع في محافظة حضرموت بين مدينتي الشحر والمكلا على ساحل خليج عدن، يدشنُ مرحلة جديدة من الصراع المسلح في اليمن والذي يجري في المرحلة الرمادية القائمة حالياً بين السلام والحرب.

لا توجد تفاصيل دقيقة بشأن ملابسات هذا الهجوم، ولكن الطائرات المسيرة أطلقت صواريخ على ناقلة نفط تحمل العلم اليوناني كانت توشك على الرسو في الميناء، ولا معلومات عما إذا كانت ستواصل مهمتها أم أنها ستعود إلى أدرجها، وسط معلومات تفيد بأن جماعة الحوثي وعبر الإمكانيات اللوجستية للدولة اليمنية وربما بدعم من إيران، استطاعت أن تتواصل مع الشركة المالكة للسفينة في أثينا لتحذيرها من مغبة الذهاب بناقلتها إلى اليمن.

الهجوم ليس مفاجئاً، فقد جاء معبراً عن الوسيلة الخشنة التي هدد الحوثيون باستخدامها على رؤوس الأشهاد لفرض شروطهم، فيما ينخرط المبعوثان الأممي والأمريكي في مهمة إقناع طرفي الصراع بالقبول بهدنة جديدة لن تنعقد، على ما يبدو، إلا إذا منحتْ الحوثيين المزيد من المكاسب، وأخطرها الوصول إلى الثروة الوطنية التي تمثل الميزة الفارقة بين الجماعة المليشياوية والسلطة الشرعية المعترف بها دولياً.

الهجوم ليس مفاجئاً، فقد جاء معبراً عن الوسيلة الخشنة التي هدد الحوثيون باستخدامها على رؤوس الأشهاد لفرض شروطهم، فيما ينخرط المبعوثان الأممي والأمريكي في مهمة إقناع طرفي الصراع بالقبول بهدنة جديدة لن تنعقد، على ما يبدو، إلا إذا منحتْ الحوثيين المزيد من المكاسب

بعد هذا الهجوم مباشرة جرى الحديث عن هجوم مماثل نفذته جماعة الحوثي قبل يوم واحد على ميناء "النشيمة" النفطي، الواقع على ساح محافظة شبوة المجاورة لحضرموت، ولم تتوفر معلومات دقيقة بشأن ما إذا كان قد حدث بالفعل أم لا، لكن اللافت أن كلا الهجومين تحولا إلى مجال للتأويل والتكهنات، إلى الحد الذي ذهب معه البعض إلى تبرئة الحوثيين واتهام التحالف، وخصوصاً الإمارات، بتدبير الهجوم.

لكن لماذا يتحول هجوم خطير كهذا إلى مادة إعلامية قابلة لهذا القدر من التحوير والتزييف، في الوقت الذي أقر منفذوه بمسؤوليتهم عنه؟ يعود ذلك، في تقديري، إلى أن التحالف اعتاد على هذا النوع من التعتيم حول حوادث مشابهة ومتكررة، إنه ببساطة ينأى بنفسه عن تحمل المسؤولية، لهذا يُبقي المجالَ مفتوحاً للتأويلات والتكهنات، وإلا فهو الذي يسيطر على المجال الجوي اليمني، وبوسع شاشات الرادار المتواجدة في غرف العمليات الرئيسية التابعة له، أن ترصد الأجسام المعادية التي تحلق في سماء اليمن، منذ لحظة انطلاقها حتى وصولها إلى أهدافها.
لماذا يتحول هجوم خطير كهذا إلى مادة إعلامية قابلة لهذا القدر من التحوير والتزييف، في الوقت الذي أقر منفذوه بمسؤوليتهم عنه؟ يعود ذلك، في تقديري، إلى أن التحالف اعتاد على هذا النوع من التعتيم حول حوادث مشابهة ومتكررة، إنه ببساطة ينأى بنفسه عن تحمل المسؤولية، لهذا يُبقي المجالَ مفتوحاً للتأويلات والتكهنات، وإلا فهو الذي يسيطر على المجال الجوي اليمني

واستناداً إلى هذه الإمكانيات مطلوب من التحالف أن يتعامل باحترام مع الرأي العام، من خلال الإدلاء بمعلومات عن هذا الهجوم وغيره من الهجمات المشابهة، لأن الطائرات المسيرة الإيرانية الصنع التي نفذت الهجوم، من المحتمل أنها أُطلقت من سفن حربية إيرانية تجوب في المياه الدولية لخليج عدن، أو أنها أطلقت من أقرب موجع جغرافي يسيطر عليه الحوثيون من شمال اليمن على الهدف النفطي الحيوي.

لا يمكن للتحالف أن يحكم السيطرة على المجال الجوي اليمني ويتحكم بقراره العسكري، وفي الوقت نفسه يحرم الدولة اليمنية من حقها في الدفاع عن منشآت حيوية مثل ميناء ضبة النفطي، ثم يظهر في نهاية المطاف طرفاً من جملة الأطراف الخارجية المهتمة بالشأن اليمني، ويصر على إخفاء حجم تورطه العسكري في الساحة اليمنية.

لهذا لا غرابة أن نراه يصر منذ فترة على التصرف باعتباره طرفاً معنياً بما يدور في اليمن دونما مسؤولية مباشرة، مثله مثل بقية الدول الخارجية المعنية، والتي لديها استعداد للتعاطي مع الهجوم الذي استهدف منشأة نفطية حيوية باعتباره جولة من جولات الصراع التي تستدعي الذهاب إلى الهدنة بأكبر قدر من التنازلات لصالح الجماعة المسلحة المرتبطة استراتيجياً بإيران.
تطور كهذا يضع اليمن والأطراف الداخلية والخارجية المنخرطة في الصراع، أيضاً عند مفترق طرق خطير جداً، فإما أن يذهب الجميع إلى سلام يقر للحوثيين بمكاسبهم مع مكاسب إضافية تخصم بقوة من رصيد الصلاحيات السيادية للشرعية، أو أن تعود الحرب إلى مستواها الشامل لإعادة تحديد القوى التي ستصيغ مستقبل اليمن

وما لا يمكن إنكاره من أي طرف بما في ذلك التحالف والشرعية، هو أن هذا الهجوم هو الذي أعطى الأزمة والحرب معناهما الحقيقي، لأنه منح الحوثيين مجالاً للتحكم بقدرة السلطة الشرعية للوصول إلى الثروات الطبيعية واستثمارها وجني عوائدها، وهدفهم بالتأكيد الوصول إلى ما يريدون، أي ضمان الحصول على القسم الأكبر من هذه العوائد لدعم سلطة الأمر الواقع التي أنشأوها في صنعاء والمناطق الشمالية من البلاد.

وتطور كهذا يضع اليمن والأطراف الداخلية والخارجية المنخرطة في الصراع، أيضاً عند مفترق طرق خطير جداً، فإما أن يذهب الجميع إلى سلام يقر للحوثيين بمكاسبهم مع مكاسب إضافية تخصم بقوة من رصيد الصلاحيات السيادية للشرعية، أو أن تعود الحرب إلى مستواها الشامل لإعادة تحديد القوى التي ستصيغ مستقبل اليمن، والمفترض أن تكون السلطة الشرعية في صدارتها.

لقد بدا مجلس القيادة الرئاسي مشلولَ الإرادة ومفضوحاً وخائباً، أمام الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية الحيوية، فلم يصدر عنه ما يشير إلى خياراته المحتملة لمواجهة هذا العدوان، وما إذا كان سيغادر دائرة السلام الموهوم التي وضع فيها من قبل التحالف، ليقود معركة وطنية حقيقية لاستعادة الدولة، واكتفى ببيان صادر عن الحكومة لوح بإبقاء الخيارات مفتوحة، ونحن نعلم أنه ليس بمقدور الحكومة أن تتبنى أي خيار خارج إرادة التحالف ووصايته وأولوياته.

 

twitter.com/yaseentamimi68
التعليقات (0)