ملفات وتقارير

جلسات دمشق العائلية تعوضها وسائل التواصل الاجتماعي

اطلقت مايكروسوفت تطبيقا جديدا لرسائل الفيديو للهواتف الذكية مشتقا من خدمة سكايب للتواصل عبر الانترنت
اطلقت مايكروسوفت تطبيقا جديدا لرسائل الفيديو للهواتف الذكية مشتقا من خدمة سكايب للتواصل عبر الانترنت

لم يكن محمد الشاب العشريني، الذي طالما تغنى بالنسيج الاجتماعي المتماسك وقداسة مفهوم الأسرة لدى أبناء دمشق، يتخيل يوماً أن تصبح وسائل الاتصال عبر الإنترنت وسيلته الوحيدة للتواصل مع عائلته في دمشق، بعدما اضطرته الظروف للخروج من بلده تاركًا وراءه عائلته وأصدقاءه وبيته وفيضاً من الذكريات.

فمعظم البلدات في مختلف أنحاء سوريا يعرف عنها تمسك أبنائها بالعديد من المفاهيم المحفوظة منذ القدم، ويعد مفهوم العائلة والمحافظة على عرى التواصل بين أفرادها من أبرزها. فأغلب العائلات في دمشق - على سبيل المثال - كانت تقيم لقاءات دورية يجتمع فيها أفراد العائلة جميعهم باختلاف أعمارهم وأحوالهم فيما سبق، في حين أن الوضع لم يعد على حاله في ظل الأحوال السائدة حالياً.

فبيت العائلة الكبير أو منزل الجدين لم يعد يجمع العائلة كما كان قبل بداية الثورة، حيث أن معظم العائلات قد تفرق أبناؤها بين البلاد المختلفة، ولم يجمعهم سوى مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو جلسات "السكايب" العائلية التي قلما تنجح في سوريا، نتيجة لضعف الأنترنت وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة في معظم الأيام.

يقول محمد، في حديث خاص لـ"عربي21": "لم أكن أعلم مدى صعوبة معاناة المغترب بعيداً عن أهله وأحبابه، فقد مضى عامان على مغادرتي المنزل وما زلت أشتاق لاجتماع عائلتنا في منزلنا المتواضع بدمشق، واجتماع العائلة الأسبوعي في منزل جدي، حيث اعتدنا على الاجتماع كباراً وصغاراً، لترتفع أصوات الضحكات والأحاديث التي لا تنتهي.

يتابع: "كان الاجتماع مقدساً لدى الجميع، ولا يغيب عنه إلا المضطر، ولم يكن هذا حال عائلتنا فقط، وإنما حال معظم العائلات"، كما يبيّن محمد أن برامج التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها هي كل ما يملك الآن للاتصال مع أهله وأصدقائه في دمشق، موضحاً أنها "ليست البديل عن الجلسات القديمة، ولكنها على الأقل تحافظ على التواصل والمحبة بين أفراد العائلة، الذين تبعثروا في بلدان العالم بعد أن كانت تجتمع في بيت واحد أسبوعياً".

ويتساءل محمد: "لا أعرف كيف ستكون غربتي دون وسائل التواصل الحديثة، التي تؤمن شيئاً من البيئة العائلية التي يفتقدها كل مغترب".

أما ياسر، فيوضح أن تكنولوجيا التواصل لم تكن مستعملة في سوريا قبل الثورة بهذا الشكل الواسع، حيث أضحت الآن "إحدى أبرز ضروريات الحياة". فقد كان استعمال هذه الوسائل مقتصراً على فئة عمرية معينة، وهي الشباب وبتقنيات محدودة جداً. أما اليوم ونتيجة للحاجة الماسة للتواصل بين أفراد العائلة الموزعة في دول العالم، فقد أصبحت مستخدمة عند الجميع، وبالفئات العمرية كلها، فمن الطبيعي الآن أن تجد رجلاً تجاوز الستين من العمر لم يكن قد استخدم جهاز الكمبيوتر طيلة حياته، يحاول جاداً تعلم استخدامها.

ويوضح ياسر أن معظم الأمهات تعلمن استخدام وسائل الاتصال بشكل يسمح لهن بالتواصل مع أولادهن المغتربين، فالأم التي بقيت وحيدة بعد سفر أبنائها جميعهم، أصبحت قادرة على التحدث معهم أينما كانوا بواسطة السكايب، مما يساعدها على تحمل غربتهم وابتعادهم عنها.

ويبيّن أن الثورة قد غيرت الكثير من مفاهيم الحياة عند السوريين بعد سنوات طويلة من الاستقرار والهدوء، بحكم السكوت الذي أجبرهم عليه النظام مقابل الأمن، بعد تجربة مريرة عاشها الآباء في ثمانينيات القرن الماضي.
التعليقات (0)