قضايا وآراء

شعوب تنتفض لأجل الحرية والكرامة

1300x600
بعيدا عن السياسة، وعن الأيديولوجيا، تبقى الحرية قيمة إنسانية عليا، تسمو على جميع القيم الأخرى، ولذلك فهي حاجة فطرية، تولد مع الإنسان، وتلازمه حتى الموت. ولا يمكن تصور حياة فرد أو مجتمع بدون حرية، ولذلك فإن شعوب الأرض، منذ فجر التاريخ، وهي تكافح من أجل التحرر من القيود المفروضة عليها، سواء كانت باسم الدين أو القانون أو الأعراف والتقاليد.

وإذا كانت المجتمعات المعاصرة، استطاعت أن تحقق تقدما هائلا في مجال الحريات، سواء الفردية أو الجماعية، فإنها مع ذلك لا زالت لم تصل إلى تحرير الإنسان من كثير من القيود والأغلال التي تقف في طريق تقدمه ورفاهيته، وخاصة في المجتمعات العربية، التي لا زال معظمها يعيش في ظل أنظمة استبدادية أو سلطوية، تفرض قيودا شديدة على الحريات.

وفي ذات السياق، تُطرح عدة أسئلة: ما علاقة الحرية بالديمقراطية وبحقوق الإنسان؟ وما هي حدود الحرية؟ وكيف يمكن فهم الحرية في سياق الثقافة العربية الإسلامية؟

يجب التأكيد على أن مفهوم الحرية يختلف من مجتمع لآخر، ومن ثقافة لأخرى، وإن الاختلافات الجوهرية، توجد بين المجتمعات العربية والغربية، لكن مفهوم الحرية في بعض الدول العربية، أصبح يتماهى مع مفهوم الحرية في الغرب، وخاصة في مجال الحريات العامة، مثل حرية الانتخاب والترشيح وحرية التظاهر وتأسيس الجمعيات.. وإن كان واقع هذه الحريات يعرف خروقات وتجاوزات مستمرة في هذه الدول. أما الحريات الفردية، مثل حرية الاعتقاد والحرية الجنسية ونحوهما، فإنها لا زالت في معظم الدول العربية، تُفرض عليها قيودا كبيرة، لأنها تتعارض مع ديانة وأعراف الشعوب، مع العلم أن هناك نخبة من العلمانيين، لا تفتأ تطالب الحكومات بالإقرار الرسمي لهذه الحريات، والسماح بممارستها علانية، وهو ما يواجه معارضة شديدة من فئات واسعة في المجتمع.

إن الشعوب التي خرجت في الجزائر والسودان والعراق ولبنان، وتصدّرت واجهة الأحداث السياسية، فيما سمي بالموجة الثانية للربيع العربي، لم تبتعد مطالبها كثيرا عن الشعوب التي سبقتها في الحراك السلمي مع الموجة الأولى، وخاصة في تونس ومصر واليمن وليبيا،حيث كانت مطالبها ذات طابع اقتصادي واجتماعي، لكن سرعان ما تطورت مع تواصل الحراك الشعبي وتمدده، لتصبح ذات مطالب سياسية، بسقف عال، تمثلت في إسقاط الفساد والاستبداد، ولهذا، يلاحظ أن حركة الشارع العربي، تستمد شرعيتها من تدهور الوضع المعيشي للمواطن، الذي أصبح يجد نفسه غير قادر على مسايرة غلاء المعيشة، بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع في الخدمات الاجتماعية الأساسية، وتفاقم البطالة والفقر وتراجع مستوى الدخل الفردي.. وعندما يضاف إلى ذلك، استفحال الفساد، والتضييق على الحريات، وقمع الأصوات المنتقدة أو المعارضة للسياسات العمومية المتبعة، فإن كل هذه العوامل، تدفع في اتجاه انفجار الأوضاع الاجتماعية، كما عرفتها عدد من هذه الدول تباعا.

ويمكن القول إن الأنظمة العربية، وإن كانت قد نجحت في إبعاد المواطنين عن السياسة، بكل وسائل الترهيب والترغيب، حتى أصبح الحديث في السياسة، أو الانخراط في الأحزاب السياسية، من المحظورات المجتمعية، لكن الشعوب ضاقت ذرعا بالتضييق على الحريات من جهة، وسوء الأحوال المعيشية من جهة أخرى، ما يفسر أن الاحتجاجات الشعبية التي خرجت في عدد من الدول العربية، ترفع مطالب اجتماعية وسياسية، لأن مصدر المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، هو السياسات العمومية الفاشلة، بسبب احتكار نخبة ضيقة للقرار السياسي والاقتصادي، وتغلغل الفساد في المؤسسات العامة، مع غياب المحاسبة للمسؤولين الفاسدين.

لا يمكن فصل قضية ضمان حريات المواطنين، عن ضمان شروط العيش الكريم، لأن الحياة لا تستقيم بدون أحدهما، ولذلك عندما ينتفض المواطن العربي، للمطالبة بتحسين ظروفه المعيشية، فهو يدرك جيدا أن ذلك، لا يمكن أن يتحقق في ظل نظام استبدادي وفاسد، مهما تظاهر بالاستجابة لمطالب المحتجين، بتقديمه لبعض التنازلات أو اتخاذ بعض القرارات الاستعجالية أو القيام ببعض الإصلاحات الارتجالية، فإن ذلك يكون فقط تحت الضغط، وبمجرد هدوء الشارع، يتراجع عن كل ذلك، لأن المنظومة السياسية الفاسدة، يستحيل أن تكون هي قائدة التغيير والإصلاح في الدول العربية.