قضايا وآراء

مع الجيش التركي أم المصري في ليبيا؟!

1300x600

منذ أن أعلن البرلمان المصري تفويضه للجيش المصري بالتدخل لحماية الأمن القومي، ومفهوم من ذلك أنه تلويح بتفويضه للتدخل في ليبيا، وقبل هذا التفويض بأيام، والنقاش دائر بين الناس، مع من نكون في هذه المواقف، إذا حدثت حرب، ومن الطبيعي أن القوات التركية لها دور كذلك في ليبيا، بحسب اتفاقها مع حكومة الوفاق، فإذا تواجه الجيشان، مع من نكون؟ ويزداد النقاش أكثر بين المصريين بالخارج، سواء ممن يؤيدون الانقلاب العسكري، أو ممن يعارضونه، أو من الدولجية كما يسمون.

وأكثر من مرة يوجه لي السؤال، سواء من باب الإحراج، أو من باب المزايدة، وهو سؤال يسبب حرجا حقيقيا لمن لا يملك التعبير عن موقف صحيح، أو من لا يملك شجاعة اتخاذ الموقف الذي يلقى به ربه، لا يخاف من البشر، ولا يخاف من الأنظمة، كائنة من تكون. 

 

معركة على وسائل التواصل 

وبداية أحب أن أوضح أمرا يسبق الحديث عن الإجابة، فإن هذه المعركة ما هي إلا معركة على السوشيال ميديا، والتواصل الاجتماعي، ولا قرار ولا كلمة لكل من على هذه المنصات، فلا القيادة التركية ستطلب إذنا منهم، ولا القيادة المصرية كذلك، فمثل هذه القرارات لا يحكم فيها مرتادو التواصل الاجتماعي، أي أن المحصلة في النهاية هي مجرد نقاش في المجال العام المتخيل، وليس الحقيقي.

وما يهمني هنا كمواطن سواء كنت تركيًّا أم مصريًّا أو ليبيًّا، هل لو أن لي موقفا مبنيا عن قناعة دينية، ترفض أي الموقفين، أي السلطتين ستتخذ ضدي قرارا ينكل بي، ويحرمني من حقي كمواطن أبدى رأيه؟! ولا أجد إعلامها وآلتها السياسية والإعلامية تنهال علي ليل نهار، تلقي علي تهم الخيانة للوطن والدين، فهذا هو الأهم في النقاش أولا. فأبجديات أي حوار ونقاش، هو أن يمتلك المتحاورون حرية الحوار، وإبداء الرأي، سواء اتفق معك أو اختلف، فهل هذا متوافر؟ أترك الإجابة لكل إنسان في موطنه وموضعه.

 

الحرب دائما هي آخر علاج، وتسبقها السياسة، وتسبقها التحركات الدبلوماسية والشعبية، فلا أدري علام يهلل الناس ويكبرون على قرع طبول الحرب، وكأنها فسحة، أو نزهة، وقد جربنا ويلات الحروب، ورأينا آثارها في كل بلد حلت عليه، وكأننا لم نشبع بعد من آثارها، وويلاتها.

 



الأمر الثاني: أن أولى الناس بالحديث عن ليبيا والشأن الليبي، هم أهله، وهذا هو العجب الذي لا ينقضي، لا أدري لماذا صار العرب والمصريون تحديدا، أكثر الناس كلاما في قضايا لا تعنيهم بالدرجة الأولى، فآيا صوفيا يتحول من متحف لمسجد، يتحدث عنها المصريون أكثر من الأتراك أنفسهم، وقضايا كثيرة نجد للأسف الحديث الأكثر لمن ليس لهم في الأمر ناقة ولا جمل، فأعتقد أن الكلمة الأهم في الموضوع هي للشعب الليبي، والمؤسسات الليبية التي تعبر عن الشعب الليبي، فليقل الشعب الليبي كلمته، ولنحترمها، حتى لو لم تعجبنا.

الأمر الثالث: بحكم تكويني العلمي كأزهري، ومن أهل العلم، فموقفي ينطلق من شريعة ربي سبحانه وتعالى كما أفهمها، وهو: أنني أبغض الحرب، وأبغض كل حرف فيها، وأبغض الدم، وإراقة الدم الحرام، بكل حرف فيها، وهو موقف الإسلام، فالقرآن حين تحدث عن الحرب قال: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم)، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تتمنوا لقاء العدو"، فما بالنا لو كان اللقاء بين مسلمين وعرب؟!

والحرب دائما هي آخر علاج، وتسبقها السياسة، وتسبقها التحركات الدبلوماسية والشعبية، فلا أدري علام يهلل الناس ويكبرون على قرع طبول الحرب، وكأنها فسحة، أو نزهة، وقد جربنا ويلات الحروب، ورأينا آثارها في كل بلد حلت عليه، وكأننا لم نشبع بعد من آثارها، وويلاتها. 

الأمر الرابع: أنه للأسف معظم من يهلل للحروب، ويكتب على صفحته: كلنا الجيش المصري، أو كلنا الجيش الفولاني، هو ليس جنديا في هذا الجيش، ولن يكون في مواجهة آلات الحرب، بل إن نسبة التسعين في المائة منهم، عندما يأتي التجنيد الإجباري في بلده يذهب إليه وكأنه يُساق إلى الموت، أو السجن، ويبحث عن واسطة ليعفيه من الخدمة، وإذا كان ولا بد من تأديتها، فإنه يبحث عن واسطة تجعله بعيدا عن العمل الحربي، أو العسكري، وأول هؤلاء: هم أبناء الطبقة الثرية وغيرها، وهو أكثر الناس مزايدة بالترحيب بأي حرب يزج فيها الجيش المصري. فنحن نرفع شعارا مصريا عاميا يقول: خُشْ ورقبة ابن عمي فداك، أي تقدم، وفداك ابن عمي!!

 

هذا موقفي من الحروب وحفظ الدماء

الحروب يعني الموت، حتى لو عاد أي جيش منتصرا من معركة، فإن الموت يكون للبسطاء من أبنائه، وهو ما جربناه في حروب عديدة، سواء هزمنا فيها أم انتصرنا، هذا موقفي من الحروب بوجه عام، ومن حفظ الدماء بوجه خاص، وهو موقف ينطلق من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، القرآن الذي عبر عن صلح الحديبية بقوله: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) معتبرا السلم، والوصول لحل سلمي، فتحا، خيرا من الفتح بالسيف.

وعندما كنت بين صفوف المعتصمين في ميدان مصطفى محمود، بعد أن تم فض ميدان النهضة، ورابعة، في 14 آب (أغسطس) سنة 2013م، جاءني القائمون على أمر الاعتصام، وطلبوا رأيي، هل نكمل أم ننصرف؟ فكان جوابي: بل ننصرف، وننسحب من الميدان، فلا أستطيع أن أتحمل قطرة دم واحدة تعلق في رقبتي، واتفقوا على الانصراف، ولكن طلبوا مني أن أصعد إلى المنصة، وأعلن ذلك بنفسي، فصعدت وفعلت، ونالني ما نالني من البعض، بسبب العاطفة الجياشة لديهم، وهم معذورون، ولكني لا زلت أحمد الله أني كنت من أعلن ذلك، ليس هربا من ميدان، بل حقنا لدماء، لا أتحمل أن ألقى الله بها في رقبتي.

أما عن السؤال الافتراضي: مع من نقف؟ فالفقيه لا يجيب إجابة دينية باسم أشخاص، فالأشخاص لا يرتبط بهم الحق، بل هم يوضعون في ميزان الحق بقدر اقترابهم منه، وذلك حسب معيار معين وضعه الشرع، وهذا المعيار هو: الحق، والعدل. فمن يقف مع القاتل، أو الظالم، أو يعاونه، أو يلغي إرادة الشعوب، ويبغي نهب ثرواتها، فلا يجوز لي بحال أن أؤيده، بل علي أن أنصحه وأسدد موقفه، بكل وسيلة مشروعة، لا التأييد الأعمى له تحت أي مسمى. بل أأثم شرعا بتأييده، لأن تأييد الظلم، معناه أني أريد أن تستمر معصية الله في الأرض.

ومن يقف مع المظلوم، ويعاونه، ويقف مع الشعوب وخياراتها لا ضدها، ومع الضعفاء المظلومين، ومع رد المظالم، فهذا أنا مطالب شرعا أن أؤيده، أيا كان لونه أو جنسه أو عرقه، وقد وقف القرآن الكريم مع يهودي مظلوم، ضد مسلم ظالم، ونزل القرآن ينهى عن الوقوف بناء على العصبية الدينية أو السياسية، فقال تعالى: (ولا تكن للخائنين خصيما). من كانت لديه هذه الرؤية واضحة، فليتخذ موقفه، ولا حرج عليه شرعا فيه، ما دام قد اجتهد فيها، فإن أصاب فهو مأجور، وإن أخطأ فهو أيضا مأجور، وهذا من عظمة ديننا الحنيف.

Essamt74@hotmail.com