مقابلات

أسرة معتقل أعدم بمصر تروي لـ"عربي21" قصة نجاحه

ولد عام 1975 في إحدى قرى محافظة كفر الشيخ بدلتا مصر- عربي21

"عاش رجلا ومات رجلا، وزاده موته رفعة وقربا إلى الله"، بهذه الكلمات استهلت أسرة الراحل ياسر عبد الصمد شكر، حديثها عن نجلهم الذي أعدمته السلطات المصرية، برفقة زميله، ياسر الأباصيري، على خلفية إدانتهما في ما تسمى بأحداث مكتبة الإسكندرية.

وفي لقاء خاص مع "عربي21" قالت أسرته: "إن ياسر حقق في حياته القصيرة ما لم يحققه إلا القليلون فجمع المال والعلم والعمل والدين معا، وكان يمشي بين الناس في الدنيا وكأنه ليس من أهلها، وكان في الناس أفضل الناس وأكثرهم حبا وخدمة لهم".

وقامت السلطات المصرية، مطلع الشهر الجاري، بتنفيذ حكم الإعدام في حق المواطنين ياسر شكر (45 عاما)، وياسر الأباصيري (49 عاما)، في سجن الاستئناف الشهير بـ"سجن الإعدام" بالقاهرة، والتي تم تأكيد الحكم نهائيا فيها بتاريخ 15 أيار/ مايو 2017.

وتاليا نص الحوار:

من هو ياسر شكر وماذا كان يعمل وما سر نجاحه؟


ولد عام 1975 في إحدى قرى محافظة كفر الشيخ بدلتا مصر، كان شابا مجتهدا، نشأ على طاعة الله، حفظ القرآن كاملا منذ صغره، وكان صوته عذبا في تلاوة القرآن، كان بارا بوالديه، وكان هذا مفتاح نجاحه في الحياة.

كان مجتهدا في دراسته، ناجحا في عمله، محبا لدينه ووطنه وأهله، خلقه القرآن، كان رجل أعمال ناجح، وكان محاسبا قانونيا وخبير ضرائب، وكان يدير ست شركات لها فروع في ست مدن كبيرة منها العاشر من رمضان و6 أكتوبر والقاهرة والإسكندرية، كان يملك شركة مقاولات واستيراد وتصدير، وكان تاجرا أمينا ناجحا.

ماذا عن أسرته التي فارقها في ريعان شبابه؟

كان متزوجا وله أربعة أبناء، الكبرى في السنة الأولى من كلية الطب، والآخرون في مراحل تعليمية مختلفة بالثانوية العامة والإعدادية والابتدائية، نشأوا جميعا على طاعة الله وحب الوطن.

كيف كانت علاقته بأسرته وأهل بيته وأصحابه وجيرانه؟

كان ابنا وأبا وأخا وصديقا يحتذى به، بارا بوالديه، محبا لإخوته، وكان جوادا؛ تكفل بتربية إخوته والإنفاق عليهم وتزويجهم جميعا، كنا نخاف عليه في حياته، لم يكن من أهل الدنيا، كان ينفق كمن لا يخشى إملاقا على كل أهله وأقاربه، كانت علاقته بالجميع طيبة تتسم بالحب والود ومد يد العون والمساعدة، كان أيقونة وسط الجميع.

كان قدوة في عمله وفي خلقه لكل من عرفوه، سمع به القاصي والداني، وكان مؤثرا في محيطه وفي جميع المحافظات والمدن والبلاد التي ذهب إليها وعمل فيها، ولما مات كأنه لم يمت فلم ينقطع سؤال الناس عنه كأنه في غيبته حاضرا، لا ينساه من عرفه. 

ما هي أبرز صفات الراحل ياسر النفسية والأخلاقية؟

صفاته الحلم والصبر والإنفاق والتصدق، ذكي ومنظم ولا يضيع وقته أبدا، وراض بما هو مقسوم له، ورغم أنه كان ميسور الحال فإنه كان متواضعا، ومؤثرا في عمله وفي علاقاته، وكان يخاف الله في مال وأعراض الناس، كان يمشي على الأرض بدينه لا يفارقه المصحف ولا التسبيح، أي إنسان كان يقابله يحبه.


ياسر كان نابغة في عمله وفي دراسته وفي علاقاته المجتمعية، وكان يتحدث أربع لغات، وزار العديد من بلدان العالم، ولكنه فضل أن يعيش في مصر ويخدم بلده، وكان معه من المال والذكاء والعمل ما يمكنه من العيش في أي بلد في العالم، ولكنه آثر بلده عن أي مكان، ورغم ذلك فقد أخذوا منه أمواله وأملاكه وشركاته ثم روحه، ولكنها عند خالقها الآن.

نسبت له أعمال عنف وإرهاب من قبل السلطات المصرية هل كان متطرفا في آرائه أو أفعاله؟

لم يكن متطرفا في آرائه أو في توجهاته، كان يسمع للآخرين، وكان سمحا ولم ير أحد منه إلا الخير، ولم يدن في أي قضية، ولم يدخل في حياته قسم شرطة، وكانت له حقوق كثيرة عند الناس بحكم تجارته وعمله، ولكنه لم يشكهم أبدا.

هل تم الزج به في قضية لا ناقة له فيها ولا جمل؟

 
تم الزج به في قضية مكتبة الإسكندرية زورا وبهتانا، جاءوا بشهود إثبات ولم يتعرفوا عليه، جئنا بشهود نفي ولكن المحكمة لم تعترف بشهادتهم، وحكم عليه من خلال الأوراق التي قدمها الأمن الوطني في كل مراحل القضية حتى النقض، كان هناك تحد واضح للياسرين من أجل إلصاق التهمة بهما واقتيادهما إلى حبل الإعدام دون ذنب أو جريرة، حتى إن بعض المدانين في ذات القضية حصلوا على إفراج بعفو رئاسي.

القضية برمتها افتقرت لأبسط معايير العدالة والحكم، وخالفت أبسط إجراءات التقاضي، وانقلبت على أبسط حقوق الإنسان، وصدرت بشأنها أحكام قاسية وغير عادلة، ولا يتصور أحد من الناس أن يكون (الراحل) على ذمة قضية أيا كانت.

كيف كانت صحته لاحقا في الحبس؟ هل مرض؟ وهل عانى من شيء؟

 
ياسر كانت صحته جيدة، يلعب (بوكس) ملاكمة، وحصل على جوائز في تلك الرياضة، وكان نشيطا رياضيا، ولكن داخل الحبس مرض بالضغط والكوليسترول، جراء المكوث في السجن 6 سنوات، أغلبها كانت في حبس انفرادي، فاشتكى من بعض الأمراض.

كيف كانت زيارته خلال تلك السنوات؟

 
زياراته كانت مأساة، وقطعة من العذاب، كانت الأسرة تخرج قبل الفجر حتى يصلوا إلى وجهتهم صباحا ولم يكن يسمح بدخول إلا القليل من كثير، ولكن عند رؤيته كانت تزول كل تلك المعاناة، وكان التعب في سبيل الجلوس معه ينسينا مرارة المشقة.

هل علمتم بوقت أو موعد تنفيذ الحكم فيه وهل توقعتم أن يحدث؟

لم يعلم أحد بموعد تنفيذ الحكم أبدا، ولم نتوقع تنفيذ حكم الإعدام، كنا نقول إنها ضغط سياسي لا أكثر ولا أقل، ولن ينفذوا الحكم في أبرياء يعلمون هم براءتهم أكثر منا، ولكنه رحل صامدا محتسبا، ورغم عمره القصير إلا أنه أنجز ما لم ينجزه الكبار.

كيف كانت إجراءات استلام جثمانه ودفنه وهل أقيمت له جنازة وعزاء؟

كان وجهه مثل البدر، ورائحته رائحة المسك، وكان يسأل الله الشهادة، كان جبلا تحمل الكثير من الظلم والعنت وكان يزداد ثباتا و عزة وشموخا، عاش ومات رجلا، بكل ما تحمله الكلمة من معاني الرجولة، في صلابته وحكمته وتصرفه.

استلمنا جثمانه في اليوم الثالث من وفاته، وكانت الساعات في انتظاره دهرا من الزمان، ولما استلمناه شعرنا بالفرحة تغمرنا وبالسكينة تدثرنا، وكأنه حصل على إفراج، ولكنه ذهب لله الأفضل من الجميع، ورغم وصوله فجرا إلا أن جميع أهل البلدة كانوا بانتظاره وكانت جنازته من محبيه، رغم أن السلطات الأمنية منعت إقامة جنازة كبيرة له، وأخذ العزاء في وفاته، ولكننا تلقيناه (العزاء) في كل مكان وعبر جميع الوسائل المتاحة.

ما هي رسالتكم للعالم وللسلطة في مصر، هل تؤيدون وقف الإعدامات.. ولماذا؟

رسالتنا خير ومحبة للعالم، والإسلام دين الرحمة، وليس الكره والظلم، ونأمل أن تزول الغمة وتنقشع عن الناس بعد أن غمرتهم، وعلى النظام أن يراجع نفسه لله والوطن، وأن يتقوا الله في هذا الشعب المسكين المطحون الذي عانى ويعاني، والأجر عند الله.

نحن مكملين على قول الحق وطريق الحق، ودفعنا الكثير من أموالنا وصحتنا ووقتنا، ونسأل الله أن يتقبله من الشهداء، وموته زادنا رفعة ونحن على خطى شهدائنا، ونؤيد وقف الإعدامات لأنها إفراط وإسراف في دم الناس، فهؤلاء لم يكونوا دعاة دم أبدا، كانوا يخافون على مصر وأهلها كما يخافون على أنفسهم، رحمهم الله رحمة واسعة.

ما هي وصيته قبل مفارقتكم؟

من وصيتي إلى زوجتي،

أوصيك بتقوى الله عز وجل، اصبري ولا تجزعي فإننا حتما سنلتقي، وأتمنى أن نلتقي يوم القيامة ورب العرش راض عنا يا أغلى الناس وأعز الناس، وجزاك الله عني خيرا، فقد أحببتك حبا كثيرا، قد كنت لي خير زوجة وصاحبة وخير أم لأولادي فأكملي ما بدأنا، وعلمي أولادنا معنى الحب والوفاء والثبات على الحق.

إلى أولادي،

اهتموا بطاعة الله قدر ما استطعتم، واستوصوا بعمتي نجاح خيرا فهي أحب الناس إلى قلب أبيكم، واستوصوا بأمكم خيرا فإني راض عنها.

إلى والدي ووالدتي الحبيبين،

إن أنا صرت إلى ربي فاصبروا وادعو لي بالقبول فهذا خير لي ولكما عند ربي، وجزاكم الله عني خيرا، فقد علمتماني حب الدين والصبر على البلاء، وكفانا فخرا أن اختارنا الله لنكون في هذا الموضوع لننال الأجر العظيم.

إلى إخواني جميعا،

جزاكم الله عني خيرا، كنتم سببا لي في معرفة الله، وتعلم أمور ديني، و مراجعة المنهج وتنقيته، ولذا أبرأ إلى الله من كل عمل خالطه شرك سواء بعلم أو بجهل، وأدعو الله أن يغفر لي ويرحمني إنه هو الغفور الرحيم.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل دماءنا سببا في توحدكم وسببا في نصره، كما أوصيكم في تربية أولادي على العقيدة الصحيحة وحب دينهم، وحب الجهاد والاستشهاد.