كتاب عربي 21

ليبيا.. المسار الاقتصادي وارتباطه بمسارات التسوية

1300x600

الاقتصاد كان حاضرا في تفكير ومقاربات البعثة الأممية وصار أكثر وضوحا وتركيزا مع تسلم غسان سلامة رئاسة البعثة وتولي ستيفاني ويليامز منصب النائب، حيث أصبح الربط بين المسار الاقتصادي والمسارات السياسية والأمنية حيويا.

البعثة نجحت في إذابة الجليد فيما يتعلق بتصحيح الوضع الاقتصادي المختل بعد إخفاق المجلس الرئاسي في معالجة التحديات الاقتصادية والمالية المتمثلة في انهيار سعر العملة المحلية وارتفاع الأسعار ونقص السيولة، وكانت البعثة خلف توقيع اتفاق الإصلاحات الاقتصادية والذي بالمناسبة وقع مباشرة بعد وقف المواجهات الخطيرة على مشارف طرابلس في نهاية العام 2018م.

المسار الاقتصادي الموازي للمسارين السياسي والأمني سبق اجتماعات بوزنيقة وجنيف وذلك بانعقاد اجتماع القاهرة مطلع العام بحضور نحو 20 خبيرا ماليا واقتصاديا من مختلف مناطق البلاد، حيث تم التوافق في الاجتماعات اللاحقة على تشكيل ثلاث لجان هي: اللجنة المصرفية والتي تعنى بمعالجة الانقسام في الجهاز المصرفي وما يتبعه من مسائل، ولجنة توزيع الإيرادات العامة بعد الجدل الذي دار حول سوء إدارة المال العام، ولجنة الإعمار والتنمية والتي تتطلبها كوارث الحروب التي شنها حفتر منذ العام 2014م.

اتجهت اللجنة إلى ما اعتبرته حلولا آنية للأزمات الراهنة، وبذلك خلصت لجان المسار الاقتصادي إلى جملة من التوصيات ذات الأثر الفعال والفوري من مثل معالجة أزمة سعر الصرف، وفتح المقاصة بين المصارف في شرق البلاد وغربها، وإعادة النظر في الترتيبات المالية بشكل يلائم الوضع الاقتصادي الراهن.

ومن المهم الإشارة إلى أن فريق المسار عمل على تبني سياسات وإجراءات قابلة للتطبيق في أسوأ السيناريوهات، بمعنى أن جل ما تم الاتفاق عليه من توصيات قابلة للتطبيق حتى في ظل استمرار الانقسام السياسي، وستكون النتائج أفضل في حال التوافق على حكومة موحدة.

 

الحقيقة أن إشكال توزيع الإيرادات كما هو مطروح تغذيه نزعات سياسية مصلحية ضيقة ضمن مشاريع هيمنة وسيطرة على القرار بالقوة، ذلك أن توزيع الثروة صار ملفا بارزا بعد الحرب على طرابلس وبالتحديد بعد أن لاحت بوادر فشلها، فظهر الحديث عن توزيع الثروة بقوة وطرح على طاولة النقاش في ملتقى برلين.

 



بالمقابل فإن مقاربة فريق المسار الاقتصادي للإشكاليات الكبرى من مثل المطالبة بتوزيع الإيرادات اتسمت بالتبسيط، حيث ارتكزت على اللامركزية كسبيل للتخفيف من تمركز قرار إدارة المال العام جباية وإنفاقا بيد الحكومة المركزية.

والحقيقة أن إشكال توزيع الإيرادات كما هو مطروح تغذيه نزعات سياسية مصلحية ضيقة ضمن مشاريع هيمنة وسيطرة على القرار بالقوة، ذلك أن توزيع الثروة صار ملفا بارزا بعد الحرب على طرابلس وبالتحديد بعد أن لاحت بوادر فشلها، فظهر الحديث عن توزيع الثروة بقوة وطرح على طاولة النقاش في ملتقى برلين.

اللجنة لم تتطرق إلى كيفية التعامل مع الدين العام الذي راكمته الحرب على طرابلس والحروب قبلها، والذي يطالب حفتر بتحميله على خزانة الدولة ورفضت حكومة الوفاق ذلك.

أيضا لم يتم التعامل مع جزئية سلطة إدارة المال العام في ظل نفوذ حفتر والذي يقوم على الإنفاق العسكري الكبير دون رقابة أو محاسبة.

المسألة الأخرى هي توزيع الإيرادات من أعمال السيادة التي تناولتها مسودة الدستور الصادر عن الهيئة التأسيسية، وهي ليست من اختصاص مسارات التسوية، وربما هذا ما يفسر تعامل المسار الاقتصادي معها بحذر شديد.

الأنكى هو أن الأطراف الدولية وبعض فواعل البعثة اهتموا بالاتفاق الاقتصادي والمالي الذي وقعه أحمد معيتيق مع خليفة حفتر والذي ينص على اقتسام الإيرادات بنسب محددة، وهو ما يقوض المسارات التفاوضية.

وأخيرا بدا أن فريق المسار الاقتصادي أقل نفوذا ورسمية بالنظر إلى المسارين الأمني والسياسي، فما تم التوصل إليه في بوزنيقة وجنيف مثل أجندة توافق ملزمة بتبني البعثة لها والاتجاه بها إلى التنفيذ، فيما بدا أن توصيات فرق المسار الاقتصادي أشبه بالاستشارات غير الملزمة التي لا يشكل تجاهلها مشكلة.

اقتصار المسار الاقتصادي على الدراية والخبرة وإبعاده عن التدافع السياسي جعل مهمته أسهل، إلا أنه مرتهن إلى المسارين السياسي والأمني، وسيكون متعذرا تنفيذ ما اعتبره أعضاء المسار الاقتصادي الحد الأدنى القابل للتطبيق في كل الظروف، إذ أن فشل المسارات الأخرى له عواقبه في مقدمتها عودة الاقتتال الذي يقضي على كل المقاربات بما في ذلك أجندات الحد الأدنى.