اقتصاد عربي

بعد عقد من الثورة.. حصيلة ثقيلة على الاقتصاد السوري

ثلاثة سيناريوهات أمام الاقتصاد السوري خلال السنوات المقبلة- جيتي

تحل الذكرى العاشرة لانطلاقة الثورة السورية ضد نظام الأسد، في وقت يعاني فيه السوريون أوضاعا اقتصادية متدهورة، حيث ارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، الأمر الذي زاد من توسع دائرة الفقر.

وتتهم أوساط المعارضة نظام الأسد بالتسبب بالخسائر الاقتصادية التي قدرتها الأمم المتحدة بأكثر من 440 مليار دولار أمريكي على مدى سنوات الثورة، حيث قام بإنفاق ما بحوزته من أموال على الآلة العسكرية، وباع ورهن مقدرات الدولة لحليفتيه روسيا وإيران.

ويمكن ملاحظة مدى سوء الأوضاع الاقتصادية من خلال الفارق في متوسط دخل المواطن السوري، الذي لا يتجاوز حاليا 10 دولارات أمريكية شهريا، بينما كان قبل الثورة يتجاوز 300 دولار أمريكي.

حصيلة ثقيلة

خلفت الحرب حصيلة ثقيلة على الاقتصاد السوري، الذي بات على حافة الانهيار، مع توقف الإنتاج الصناعي وتراجع الإنتاج الزراعي والحيواني، وخروج النفط من يد الدولة.

وأدى ذلك إلى خسارة الليرة السورية لنحو 98 بالمئة من قيمتها، بحيث وصل سعر الدولار الأمريكي إلى عتبة 4500 ليرة، في حين كان سعره قبل الثورة بحدود 50 ليرة سورية.

وقال تقرير صادر عن منظمة "الرؤية العالمية- وورلد فيجن" وشركة "فرونتير إيكونوميكس" لتطوير النتائج الاقتصادية؛ إن نتائج الحرب السورية تشير إلى أن جيلا كاملا قد ضاع في هذا الصراع، والأطفال سيتحملون الكلفة من خلال فقدان التعليم والصحة، مما يمنع الكثيرين من المساعدة في تعافي البلاد والنمو الاقتصادي بمجرد انتهاء الحرب.

 

وقال التقرير إنه حتى لو انتهت الحرب اليوم، فستستمر كلفتها في التراكم لتصل إلى 1.7 تريليون دولار بقيمة العملة اليوم وحتى عام 2035.

وفي مقابل عجز النظام عن تدارك الأزمة الاقتصادية، لا تبدو روسيا أو إيران قادرتين على إنقاذه في ظل ظروفهما المحلية المتدهورة أيضا.

وإلى جانب الضرر الذي خلفته العمليات العسكرية التي طاولت معظم المناطق السورية، يشير المراقب الاقتصادي، والمفتش المالي المنشق عن النظام، منذر محمد؛ إلى سوء إدارة النظام السوري للشق الاقتصادي.

 

اقرأ أيضا: بعد القمع والإرهاب.. التدهور الاقتصادي سيؤدي لنزوح السوريين


ويوضح لـ"عربي21"، أن النظام لم يقدم تنازلات سياسية كان من شأنها إنقاذ اقتصاد البلاد، ومضى في الحل العسكري حتى أوصل البلاد إلى هذا الحال الكارثي.

 

وبمرور الوقت، طبقا لمحمد، اندثرت القطاعات الإنتاجية الحقيقية (الزراعة، الصناعة) وانتهى النفط إلى يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبقي النظام على حاله يستنزف مقدرات الدولة لتمويل الحرب، ومن ثم جاءت العقوبات الأمريكية "قيصر" لتؤدي إلى زيادة الأعباء.

وأمام هذا الحال، يعتقد المراقب الاقتصادي، أن مستقبل الاقتصاد السوري بات رهن مستقبل الحل السياسي، فإما أن تتوافق الدول على حل ينهي الحرب السورية، ويفضي إلى بداية مرحلة إعادة الإعمار، وتدفق الأموال، أو استمرار الوضع على حاله وزيادة الفقر، وتدهور أكبر للاقتصاد السوري.

سيناريوهات

واطلعت "عربي21"، على دراسة أعدتها الباحثة الاقتصادية الموالية للنظام، رشا سيروب، ناقشت فيها السيناريوهات المحتملة للاقتصاد السوري.

وبحسب الباحثة، فإن السيناريو الأقل احتمالا، هو "الاستمراري" القائم على افتراض انتهاء الحرب وعودة جميع الأراضي لسيطرة النظام السوري من دون تقديم تنازلات سياسية، مؤكدة أنه "باعتماد هذا السيناريو، لن يختلف المشهد الاقتصادي عما نعيشه اليوم من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وهشاشة في الخدمات العامة الأساسية كالطاقة والكهرباء والمياه والصحة، وخصوصا أن العقوبات ستبقى مفروضة".

أما السيناريو الثاني، فهو "اللبناني"؛ القائم على افتراض انتهاء الحرب وفق توافق دولي، والبدء بعملية إعادة الإعمار، وهذا يعني ضخ مليارات الدولارات داخل الاقتصاد السوري من الدول والمؤسسات الاقتصادية، تكون مشروطة باعتماد سياسات اقتصاد ليبرالي، موضحة أنه "بسبب حجم الفساد وتركّز الثروة لدى أمراء الحرب، من المتوقع تحويل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد ريعي استهلاكي قائم على قطاع الخدمات والسياحة والتحويلات الخارجية، من دون تأهيل القطاعات الإنتاجية الحقيقية في الزراعة والصناعة".

ويشكل السيناريو "العراقي" ثالث السيناريوهات المحتملة، وفقا لسيروب، وقالت: "يكاد يكون الأكثر خطرا من بين السيناريوهات المحتملة لأنه يعني "تقسيم" سوريا بشكل غير رسمي وتحويلها إلى "كونفدرالية" بإشراف أممي، بحيث يبقى النفط في الشمال الشرقي، والقمح والإنتاج الزراعي في الشمال الغربي خارج سيطرة الدولة".

وفي قراءته لذلك، رجح الخبير الاقتصادي سمير الطويل، أن يكون السيناريو العراقي هو الأقرب للتطبيق في الحالة السورية، وقال لـ"عربي21": الواضح أن "النفط سيبقى بيد الأكراد (قسد)، بعد تطبيق الكونفدرالية كشكل للدولة السورية، وأما بقية المناطق فسيعتمد اقتصادها على الخدمات والسياحة والتحويلات الخارجية، كما هو حال الاقتصاد اللبناني".