أفكَار

قيادات إسلامية سودانية تقيم مراجعات لشروط الوفاق والمصالحة

إسلاميو السودان شاركوا في الثورة وتم إبعادهم من ساحات الحوار السياسي (الأناضول)

تفاعلت جماعات من إسلاميي السودان مع المبادرة التي طرحها رئيس وزراء الحكومة عبد الله حمدوك والداعية إلى (وفاق وطني) يجنب البلاد المخاطر وينقذ النظام السياسي الانتقالي الحالي من الاستقطابات السياسية والفكرية والاجتماعية الحادة، ودفعت بإسلاميين إلى طرح رؤاهم الفكرية بشأن مفهوم "المصالحة الوطنية" والمراجعات التي شملت هذا المفهوم على مستوى التنظير والممارسة ومقاربتها مع المبادئ الرئيسية لمشروعهم السياسي.

بالنسبة للقيادي الإسلامي ونائب رئيس حركة الإصلاح الآن حسن عثمان رزق فإن "الحوار" مع الآخر لا تواجهه أي عقبة دينية، وأن الإسلام نفسه حث على الحوار والحديث مع أي طرف، وقال لـ"عربي21": "ليس لدينا مشكلة مع الحوار مع أي طرف كإسلاميين". 

وأردف: "بل مطلوب منا أن نناقش الآخرين لأنه جزء من ديننا (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) حتى لو كان طاغية مثل فرعون كما جاء في القرآن (اذهبا إلى فرعون أنه طغى وقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) حتى لو كان صنم فنحن ممنوعين من الإساءة إليه (لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسب الله عدوا بغير علم) وذكر سبحانه وتعالى (وقولوا للناس حسنى) وقال (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).

ودعا إلى الوصول إلى نقطة لقاء أو اتفاق مع الآخرين لأنه لا يوجد ما يمنع ذلك إلا في حال كفروا واستهزأوا وفي ذلك يقول الله تعالى: (إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم)، لكن رزق يوضح بانه ذلك أيضا لا يعني مقاطعة الحوار نهائيا وانما نعرض عنهم عندما يكفروا ويستهزؤوا، معتبرا بأن الانبياء كانت مهمتهم الحوار والحديث مع معارضيهم والمستهزئين وعدم الطائعين والنبي نوح ظل لمدة 950عاما يتحدث إلى إناس لا يؤمنون به سرا واعلانا وجهارا ونهارا (مكث في قومه يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما).

ولم يدعو عليها الا بعد أن (أصروا واستكبروا استكبارا) وصار الطريق مغلقا (وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن).

ويرى رزق أن المشكلة ليست لدى الإسلاميين وإنما لدى الحكومة التي لا تستمع إلى معارضيها رغم ضرورة أن تستمع وليس بالضرورة أن تخضع لقول المعارضة، ولكن مطلوب منها الاستماع إلى آراءهم وأفكارهم و"بضدها تعرف الأشياء"، مبينا أن الحكومة الانتقالية لا تستمع إلى الآراء المعارضة وتعمل على الإقصاء ومنع عنهم استخدام وسائل الإعلام الرسمية وهو وضع لن يكون مناسبا لحوار وطني.

وحسب رزق فإن الإسلاميين في العالم كله غير مسوح لهم بالحكم سواء جاؤوا بالقوة مثل ما حدث في السودان أو جاؤوا إلى السلطة عبر الانتخابات كما حدث في تونس، لأن من يصفها رزق بـ "القوة الخشنة" تمنع أي وصول للإسلاميين إلى السلطة مثلما حدث في تونس ومصر، وقال: إن التجربة الناجحة الآن في تركيا لكن هي أيضا تتعرض للمؤامرات.

ويرى أن الجهات التي تمارس الديكتاتورية لن تنجو وسوف تسقط مثلما أسقطت الشيوعية في الاتحاد السوفييتي وفي أثيوبيا وفي اليمن الجنوبي وغيرها من الدول ولم تسقطها الحركة الإسلامية كتنظيم ولكن أسقطتها ثورات الشعوب المستمرة والتي لن تتوقف ما دام لا يوجد أمن ولا حريات ولا عدالة وغياب كافة الأسباب التي تؤدي إلى بقاء النظام.

وأكد أن الإسلام لم تأت به الحركة الإسلامية، وقال: "حتى في السودان جاء الإسلام من ممالك قديمة وسيقوم مهدي آخر ويحكم بالإسلام ويرفع راية لا إله الا الله"، ما يعني ـ حسب رزق ـ أن ضرب الحركة الإسلامية لا يعني نهايتها وإنما مزيدا من الانتشار كما حدث في كل التجارب في العالم، حيث ينتشر الإسلام في كل أرجاء الدنيا بما فيها أوروبا وأمريكا.

ويدعو رزق إلى محاسبة الذين أخطأوا في الحكم من الإسلاميين وغيرهم في محاكم عادلة (لا يجرمنكم شنان قوم)، داعيا أيضا إلى ما سماها بـ"المحاسبة السياسية" عبر قانون انتخابات يحتكم فيه الجميع إلى الشعب.
 
وذكر بأنه لا يوجد ما يمنع الحوار مع السلطة الانتقالية ولكن يجب أن يبنى الحوار على ضرورة الذهاب إلى الانتخابات وعدم الاحتماء بالمؤسسة العسكرية لتمديد الفترة الانتقالية دون أي وازع، معتبرا عدم التوافق مع الإسلاميين وإقصائهم من شأنه توجه بعضهم إلى منحى آخر للوصول إلى السلطة، أو قد تخرج من بينهم حركات متطرفة كما حدث في أماكن أخرى في دول أقصت الإسلاميين وحرمتهم الحرية والعدالة وحقهم الديمقراطي في الوصول إلى السلطة.

وأشار إلى أنه ليس من العدل مساواة الإسلاميين الذي قاموا بالتغيير مع المؤتمر الوطني، وأضاف: "كل الإسلاميين ما عدا المؤتمر الوطني كانوا معارضين لحكومة البشير وشاركوا في الثورة الشبابية التي جاءت بالنظام الانتقالي والتغيير قامت به الحركة الإسلامية لكن التدبير شاركت فيه كل القوى السياسية السودانية والمكونات الاجتماعية".

وشدد على أن حركته لا ترغب في الحكم الآن لكنها تدعو إلى خارطة طريق تتبنى شعار الثورة (حرية سلام وعدالة) للوصول إلى انتخابات عامة.

أما الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي عبد الوهاب سعد فقد أكد لـ"عربي21" بأن حزبه عازم للتواصل والحوار وأن يمتد إلى المنابر المفتوحة حتى يتعافى المجتمع السوداني من الإقصاء والتطرف السياسي.

وحسب تحليله للواقع السياسي، فإن الحكومة الانتقالية الحالية هي ليست الأولى في السودان وإنما الثالثة منذ الاستقلال وبالتالي يطرح أهمية التعلم من التجارب السابقة، معربا عن خيبة أمله في تطابق هذه النماذج حيث تقوم ثورة تصل إلى السلطة أحزاب غير موجودة في الشارع السياسي وتعبر عن نفسها في الحكومة بواجهات مختلفة ما يؤدي إلى وجود سلطة غير شرعية وغير شعبية وهي تعمل لإعادة ترتيب المشهد السياسي وتعمل من أجل تعويض عدم وجودها في الشارع.

ورأى أن القوى السياسية جميعها غير مدركة لأهمية تمثيل هذه القوى في البرلمانات ما يدفعها لأن تبحث عن وجوده بطرق أخرى وواجهات مستعارة وهي تحديات يجب معالجتها لكيفية سماع صوت الأحزاب الأخرى التي ليس لها ثقل شعبي مثل اليسار والأحزاب القومية هذه معالجة.

 

سقوط التجربة الانتقالية ستؤدي إلى انزلاق أمنى في السودان وفوضى خصوصا في ظل صعود نزعات انفصالية قد تؤدي إلى التجزئة، مبينا أن الانهيار سيؤثر أيضا على المجتمع الدولي وسيدفع ثمنا غاليا إذا انهارت التجربة الانتقالية"

 



ويدعو سعد إلى إعادة التفكير بصورة واضحة في أن الإقصاء هو بداية الترتيب لانقلاب جديد بغض النظر عن الجهة التي تقوم به وسيكون فعلا خارج اللعبة الديمقراطية، وبالتالي فإن من الضروري التفكير بوعي لاستدامة التجربة الانتقالية بإجراءات متعلقة بقانون الانتخابات وكيفية السماح للآخر بالمشاركة والتعبير عن نفسه.

وأضاف: إن مهمة الحكومة والمعارضة الحفاظ على التجربة الانتقالية لأن انهيار الحكم الانتقالي سيؤدي إلى تكلفة سياسية باهظة وهي العودة للحكم الشمولي وكل الأحزاب ذاقت ويلاته. 

وتابع:" كل مراجعاتنا رفضت استخدام القوى الخشنة في الوصول إلى السلطة ولابد من وصول الحكم الانتقالي إلى بر الأمان ما يعني قيام انتخابات حرة ونزيهة في أقرب وقت ممكن لتجنب تكلفة الانهيار"

واعتبر أن سقوط التجربة الانتقالية ستؤدي إلى انزلاق أمنى في السودان وفوضى خصوصا في ظل صعود نزعات انفصالية قد تؤدي إلى التجزئة، مبينا أن الانهيار سيؤثر أيضا على المجتمع الدولي وسيدفع ثمنا غاليا إذا انهارت التجربة الانتقالية"، لأن النزعات الانفصالية وفي ظل توفر السلاح سيحول السودان إلى بؤرة للجريمة العابرة للحدود وتفريخ الإرهاب كما حدث في العراق وغيرها، داعيا العالم إلى التعلم من هذه التجارب والحفاظ على وحدة السودان الذي رأى بان تمزقه سيؤدي إلى اشتعال القرن الافريقي وتزايد الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

وذكر بأن حزبه يتبنى رؤية تدعو لـ "انتقال آمن" و"وفاق وطني" يصل بالبلاد إلى انتخابات عامة، معتبرا ذلك مسؤولية كافة النخب السياسية.

بالنسبة للباحث الإسلامي الشاب معمر موسى فإن فكرة "المصالحة والوفاق الوطني" السائدة الآن هي في الحقيقة تبسيط ولغة "رومانسية" لطبيعة الأزمة الوطنية إلا لمن لديهم تطلع سلطوي للمشاركة في الحكومة الحالية.

وقال لـ"عربي21": إن الوفاق الوطني الحقيقي يتطلب مستويات للقضايا المتفق عليها والغير متفق عليها، وقال إنه شخصيا من موقع المعارض والملتزم ايدلوجيا وفكريا وسياسيا، يعتقد بانه من المستحيل التوافق مع الحكومة الحالية في ظل توجهاتها الاقتصادية المنحازة للبرجوازية بينما هو يتبنى نموذج تنموي يناقض تماما النموذج الرأسمالي المتوحش الذي تتبناه الحكومة على حد قوله.

ورأى بأن الحكومة الحالية أكثر من مجرد سلطة انتقالية وأنها تطرح تصورا ثقافيا محددا يتضمن محاولة لإعادة هندسة اجتماعية للسودان ويشمل تبعية أو نيوليبرالية وهي القضايا التي لا يمكن الاتفاق حولها، كما لا يمكن تجاوز الأيديولوجيا لأن أي مشروع سياسي قائم على مدرسة فكرية ويحدث اختلاف حولها والتناقض أصلا موجودا، وأردف هو "تدافع بالمصطلح الإسلامي وتناقض جدلي بالمصطلح الماركسي".

واعتبر أن من الضروري تشخيص الواقع بأن هنالك أزمة مزمنة تتعلق بهشاشة بنية دولة ما بعد الاستعمار الذي أورث البلاد مشكلات وظلت الرؤية الوطنية غائبة، ما أتاح المجال للخطاب الإثني والقبلي، موضحا أن إشكالية الخطابات العنصرية تحولت من سلوك فردي إلى فلسفة أيديولوجية مثل مدارس التحليل الثقافي والتي عدها معمر موسى أكبر مهدد للبلاد والمجتمع المحافظ.

وذكر أن المجتمع المحافظ في السودان غير المنتظمين سياسيا هو المقابل للمجتمع البرجوازي المنحازة له الحكومة الحالية التي تتبنى الخطاب العنصري، وهي أيضا منحازة للمدينة ضد الريفيين، وتعمل على إعادة السلطة لمن يعتقدون أن حكومة البشير نزعتها منهم، وعلى هذا الأساس تقوم الحكومة على إعادة هيكلة الاقتصاد، ومن المفارقات "أن وزير المالية والاقتصادي جبريل إبراهيم الذي قادة حركة ثورية تعبر عن المهمشين يتصدر سياسات تسحق المهمشين وتصب في مصلحة فئات اجتماعية محددة وهو أمر يتناقض مع الأفكار الرئيسية لحركته السياسية".

واعتبر أن أبرز العقبات التي تواجه هذه الحكومة التناقض داخل مكونات حاضنتها السياسية، وقال: "حكومة غير متجانسة تشمل ليبراليين وأفريقانيين جدد وقوميون عرب كانوا متفقين فقط ضد المؤتمر الوطني لكن الان لا يوجد ما يجمعهم فكريا ولا سياسيا".