قضايا وآراء

النظام العربي وإرهاب إسرائيل للمجتمع الفلسطيني

1300x600
تصنيف المؤسسة الأمنية الصهيونية لست منظمات مجتمع مدني فلسطيني على أنها إرهابية؛ يأتي في سياق ممارسة إسرائيل لإرهاب الدولة المنظم على المجتمع الفلسطيني. ويندرج التصنيف الأمني الصهيوني للمنظمات الفاعلة على الأرض، مثل مؤسسة "الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان" و"الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فلسطين"، و"الحق" و"اتحاد لجان العمل الزراعي"، و"اتحاد لجان المرأة العربية"، و"مركز بيسان للبحوث والإنماء"؛ ضمن توسيع لدائرة استهداف الأصوات الفلسطينية التي تكشف وتعري ممارسات العدوان المتواصل على الأرض والبشر في المجتمع الفلسطيني.

ولا شك أن تصعيد وزير الأمن الصهيوني بني غانتس ضد منظمات المجتمع المدني؛ يدلل بشكل واضح على فاعلية وعمق تأثير منظمات المجتمع المدني الفلسطيني على كشف تزييف الرواية الصهيونية، حيث ألحق عمل هذه المنظمات ضربات موجعة بسمعة الاحتلال، من خلال عمليات رصد الانتهاكات اليومية لحقوق الانسان الفلسطيني ولأرضه، أو من خلال مشاريع تمكين الفلسطيني من الحفاظ على أرضه وهويته وتراثه.

والاستهداف الإسرائيلي لهوية المجتمع الفلسطيني بصورته المدنية قائم منذ النكبة، مع محاولات طمس الهوية الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 48، أو مع استحداث شعبة في جهاز المخابرات الإسرائيلية لمراقبة تطور وأداء المجتمع الفلسطيني بشكل دقيق، وقياس ردة فعله إزاء عمليات العدوان والاستيطان والإعدام الميداني، ومصادرة الأراضي وفرض سياسات الأمر الواقع.

مشاركة المجتمع المدني الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وتفكيك روايته وفضحها لم تترك مجالاً للجدل حول دورها في النضال التحرري، أو على أنها طاقة نضالية برزت طاقتها في نطاق مواجهة عدوان وممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين، وكان لها أثر بالغ في يوم الأرض عام 1976، وفي الانتفاضة الأولى عام 1987. وهذا ما يقلقل من شأن الاحتلال والمؤسسة الصهيونية التي تجند أدواتها لخوض حرب إنهاء الوجود للهوية القائمة، سواء باستهداف المؤسسات المدنية الإعلامية والحقوقية والاجتماعية، أو التنكيل برموزها وملاحقتهم ومطاردتهم بربط كل ما ينتج عنهم بـ"الإرهاب"، والإرهاب الصهيوني للفلسطينيين أصحاب الأرض والتاريخ؛ بسياسات القتل المباشر والحصار وسرقة الأرض والتراث والمياه ومحو الهوية.. تُريد مقابله صمتا فلسطينيا بخنوع تام لإرادة إرهاب المؤسسة الصهيونية، وهذا لم يحصل في تاريخ الصراع معها.

التصنيف الإرهابي لمنظمات المجتمع المدني الفلسطيني، من مؤسسة أمنية إسرائيلية تشكلت وقامت على إرهاب عصابات الهاغاناة والبلماخ والأرغون وتسيحي، ومستوردة من أصقاع الأرض بأساطير تلمودية صهيونية، وبروايات التزوير الهش للتاريخ والحاضر؛ يحدث في زمن عربي رسمي تدرك المؤسسة الصهيونية هشاشته التي تسمح بتصعيد العدوان، ليس باستهداف منظمات المجتمع المدني، بل بتسعير عمليات الاستيطان والتهويد والعدوان المباشر في ظل تهافت عربي للتطبيع معها، وأن تسمع في زمن التصنيف الصهيوني للمجتمع المدني الفلسطيني تنديدا واستنكارا غربيا للخطوة الإسرائيلية، و"قلقا" أمريكيا حيال الإجراءات الإسرائيلية، مقابل انشغال عربي مماثل بما تؤمن به العقلية الصهيونية من تصنيف بعض منظمات المجتمعات المدنية العربية بالإرهاب، وربطها بالعمالة للخارج أثناء ضعف واهتزاز بنية الاستبداد العربي في السنوات الأخيرة، واستهدافها بالتدمير بالصواريخ والبراميل المتفجرة، أو تصنيفها بالإرهاب واعتقال أعضاء المجتمع المدني.

فنحن أمام حالة تماثل صهيوني عربي ضد المجتمعات المدنية، وضد الحركات والفصائل المقاومة للاحتلال من جهة والمقاومة للاستبداد من جهة ثانية، وهو ما اتخذته "جرأة" بعض الأنظمة المتصهينة لمحاباة المؤسسة الصهيونية في الهجوم على الهوية الفلسطينية والتشكيك بوجودها مؤخراً، من خلال تجنيد بعض الأبواق الإعلامية و"الفكرية" لهذا الدور، من أبو ظبي إلى الرياض والبحرين والقاهرة.

كل من يدقق في مسيرة الأوضاع الفلسطينية، منذ أوسلو، إلى الأوضاع العربية المتفجرة في زمن الثورات والثورات المضادة بالتصهين والتطبيع، وكيف حدثت في الواقع، يجد أنها تجاوزت كل منطق، والتبريرات والذرائع المتخذة بستار مكافحة الإرهاب تصبح منطلقا للهجوم على التاريخ والحاضر والمستقبل، والانسحاق العربي الرسمي مع السلطة الفلسطينية أمام المطالب الإسرائيلية وشروط التطبيع بين الاستبداد والاحتلال، وتقديمها للشارع العربي كانتصارات كبرى على "الخونة والإرهابيين"، وتقام لها الاحتفالات على منابر الإعلام الرسمي، فإنما هي تستهدف المجتمع المدني الفلسطيني، ومن خلفه كل المجتمعات المدنية العربية، للاحتفاء بسطوة عسكر الاستبداد المنحني أمام سطوة الاحتلال.. صمت النظام العربي الرسمي على إرهاب المحتل، مقابل منح الأخير مشروعية النفخ بعضلاته فوق المجتمعات العربية.