ملفات وتقارير

الغنوشي: تونس في "بلاء" والبرلمان عائد لا محالة

قيادات سياسية تستعد لتأسيس جبهة سياسية للخلاص من الانقلاب في تونس (فيسبوك)

أكد رئيس البرلمان التونسي المجمد رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، تفاؤله بإمكانية استئناف المسار الديمقراطي في تونس، وجدد التأكيد على رأيه بأن البرلمان سيعود للعمل أحب من أحب وكره من كره.

جاء ذلك خلال ندوة تضامنية نظمتها تنسيقية "مواطنون ضد الانقلاب" مساء أمس الخميس مع القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري، الموضوع تحت الإقامة الجبرية منذ 31 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والذي أعلن اعتزامه الدخول في إضراب جوع وحشي، وحضره عدد من القيادات السياسية منهم أحمد نجيب الشابي وعصام الشابي وسميرة الشواشي والصافي سعيد وقيادات "مواطنون ضد الانقلاب".

ووصف الغنوشي في كلمته ما تعيشه تونس منذ 25 تموز (يوليو) الماضي، بأنه "بلاء"، وعقبة أوقفت قطار الانتقال الديمقراطي في تونس.

وقال: "في بلادنا أشياء كثيرة مؤلمة، من حالة الفقر وغياب السلع الأساسية، لكن الأشد من ذلك كله هي الدكتاتورية، وحاكم عرّفه حواريوه بأنه غير تقليدي وغير كلاسيكي.. أي أنه شخص لا يتوفر على صفات الحاكم المعتادة".

وتساءل متحيرا: "كيف انتخبناه نحن لرئاسة البلاد؟ أنا أقول ربنا يغفر لنا ذلك ويسامحنا.. يمكنك أن تقول في نبيل القروي ما تشاء لكنه كان يدير مؤسسة إعلامية ناجحة ومؤسسة إعلانات ناجحة.. أما قيس سعيد فأول وظيفة له في الشأن العام هي وظيفة إدارة الدولة.. وهذا أمر غير معتاد فعلا، ففي العالم جميعا هناك مسارات حزبية يرتقي فيها الشخص عددا من المراتب حتى يتم تمحيصه قبل أن يصل إلى مهمة رئاسة الحزب أو الدولة".

وتابع: "هل فعلنا نحن هذا؟ بالتأكيد لا.. فقط بعض الكلام وهو ليس بالعربية الفصحى بل بعربية ركيكة.. فكيف تم إغواؤنا بذلك؟ هذا أمر يجب أن يتعظ منه السياسيون في تونس.. كما أن رئيسة الحكومة أول وظيفة قامت بها لإدارة شؤون الناس هي رئاسة الحكومة.. معنى ذلك نحن نحتاج لإعادة النظر في المعايير التي نقيس بها الناس.. حتى لا نخطئ مرة أخرى ونتورط مثل هذه الورطة".

وأكد الغنوشي قناعته أن الرئيس قيس سعيّد "متجه قدما بما لا تخطئه عين إلى الاستيلاء على كل السلطات، وأنه إذا أراد أن يستهدف مؤسسة من المؤسسات يسلط عليها حملة إعلامية وبعد ذلك يوجه صواريخه إليها". 

وقال: "أنا متأكد أن التونسيين سيتخلصون من هذا البلاء، وتقديري أن من يظن أن هذا الرجل قد مسح عشر سنوات من الثورة، فهو مخطئ.. إذا كنا متيقنين من أن تونس حصلت فيها ثورة فعلا، وأن التونسيين ذاقوا طعم الحرية طيلة هذه المدة، فليس سهلا إعادتهم إلى زريبة قيس". 

وفي إشارة إلى بعض الإشاعات التي تحدثت عن ميول شيعية لدى الرئيس قيس سعيّد قال الغنوشي: "تظهر لنا وجوه لا نعرفها في الحياة السياسية من باب البحث عن الرأي الآخر.. ولكن هذا هو الموجود من أعضاء الحملة التفسيرية، التي تذكرنا بالتشيع.. وبالدعاة الذين يكمنون، ويربونهم في السر ثم ينطلقون في الآفاق بلغة واحدة، حتى كلمة الدعاة أصلها شيعي". 

وأضاف: "مشكلتنا معه ليست أنه شيعي أو سني، وإنما مشكلتنا معه أنه دكتاتور وأنه يريد أن يلغي ثورة وأن يلغي شعبا.. ويريد أن يلغي مؤسسة القضاء".

وأعرب الغنوشي عن افتخاره بموقف رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر من قرار الرئيس حل المجلس، وقال: "يوم أن تكلم يوسف بوزاخر ردا على المنقلب عندما قال بأن القضاء مجرد وظيفة، فقال بوزاخر بأن القضاء ليس وظيفة بل سلطة.. شعرت بنخوة الانتماء لهذه البلاد".

وأكد الغنوشي تفاؤله بالمستقبل، وقال: "هذا الشعب يتوفر على قدرات هائلة مكنته من تفجير الثورة، وهي التي جعلت من هذا الشعب يحافظ على هذه الثورة في زمن عربي عاصف لمدة عشر سنوات.. وكوننا أنتجنا هذا الرجل فالشعوب أحيانا تقع في الاستهواء الجماعي ولكن كما تخلص هذا الشعب من دكتاتوريين سابقين فإنه سيتخلص من هذا أيضا". 

وتابع: "أنا أؤكد لكم بأن مجلس نواب الشعب عائد لا محالة أحب من أحب وكره من كره، بأعضائه". 

وأشار الغنوشي إلى أن قصر باردو، حيث مقر البرلمان، لم يتعرض منذ تأسيسه لما أصابه خلال الأشهر السبعة الماضية من عمر الانقلاب.. وأنه ظل مكانا يدار فيه الحكم منذ الدولة الحفصية، أي منذ نحو 600 عام، وأنه ليس هناك مبنى في العالم استمر في إدارة الحكم مثله إلا في ويستمنستر في بريطانيا". 

واختتم الغنوشي كلمته بالدعوة إلى الوحدة ضد الانقلاب واستئناف المسار الديمقراطي، وقال: "أنا متفائل وينبغي أن نكون متفائلين بأن الشعب التونسي الذي صنع الثورة وحافظ عليها لمدة 10 أعوام، قادر على حمايتها اليوم إذا تحررنا من عقلية الشيطنة والإقصاء، وأن تونس تتسع للجميع".

وأضاف: "مرة قلت للرئيس إننا تعلمنا 4 عمليات في الحساب هي: الضرب والقسمة والطرح والجمع، وأن العملية الصالحة لنا هي فقط عملية الجمع.. أما باقي العمليات الحسابية فلا تصلح في الحياة السياسية"، على حد تعبيره.

 



هذا واعتبر المتحدث باسم "مواطنون ضد الانقلاب" عز الدين الحزقي بأن الندوة التضامنية التي احتضنها مقر حزب الإرادة أمس الخميس مع القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري، هي النواة الأولى للجبهة السياسية التي يجري الإعداد لإطلاقها كإطار سياسي لمواجهة الانقلاب واستئناف المسار الديمقراطي.

وقال الحزقي في تصريحات خاصة لـ "عربي21": "لقد تمكنا خلال الأشهر الماضية من الانقلاب أن نعزله وأن نوحد غالبية السياسيين من أجل العودة للدولة وبناء مؤسساتها".

وأضاف: "نحن اليوم أمام فاعلين أساسيين في المشهد السياسي التونسي: المنقلب الذي يهدم الدولة ومؤسساتها، ومواطنون ضد الانقلاب الساعية لبناء الدولة ومؤسساتها وجمع التونسيين على الخيار الديمقراطي".

وذكر الحزقي أن اجتماع أمس قد تمكن من وضع نص سياسي متفق عليه لبعث جبهة الخلاص الوطني من الانقلاب.. وأن هذا النص وافقت عليه الأطراف السياسية التي حضرت الندوة، ومنها قادة حزب أمل والحزب الجمهوري وقلب تونس وائتلاف الكرامة..

من جهته أكد القيادي في تنسيقية "مواطنون ضد الانقلاب" الحبيب بوعجيلة، أن المشاركين في الندوة التضامنية مع القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري مساء أمس، اقتربوا من التوصل إلى توافق لتأسيس جبهة الخلاص الوطني كعنوان سياسي تدخل كطرف لحل الأزمة في تونس مدخلها إسقاط الانقلاب، وإعطاء انطباع للداخل والخارج بأن البلاد لن تدخل في حالة فراغ وإنما سيكون هذا عنوانا لقيادة المرحلة الانتقالية".

وشدد بوعجيلة في حديث مع "عربي21"، على أن "مواطنون ضد الانقلاب" أو الجبهة المرتقب الإعلان عنها لمواجهة الانقلاب، ترفض رفضا قاطعا حصار تونس ماليا واقتصاديا، لكنه قال: "ما نريده من العالم فقط هو أن يقف على نفس المسافة من جميع الأطراف السياسية في تونس، ونطلب من المنظمات الدولية إسناد الحريات في تونس لا غير".

وحول الموقف المرتقب من اتحاد الشغل، قال بوعجيلة: "نحن نعتبر أن الاتحاد العام التونسي للشغل كان مشغولا بإعداد مؤتمره، وتقديرنا أن الاتحاد سيخرج موحدا من هذا المؤتمر وسيخرج الخط العاشوري هو المنتصر، ونقدر أن الاتحاد ليس له من خيار إلا فرض أجندة الحوار الوطني لاستئناف المسار الديمقراطي والتصدي للحكم الفردي".

وأضاف: "الاتحاد تحت قيادة الأخ نور الدين الطبوبي يستطيع لعب دور مهم في قيادة حوار وطني من شأنه إخراج البلاد من حالة الانسداد هذه"، على حد تعبيره.

 

وفي 31 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أعلنت "النهضة" اختطاف البحيري من جانب رجال أمن بزي مدني، قبل أن يتم نقله إلى المستشفى في 3 يناير/ كانون الثاني المنصرم، إثر تدهور صحته جراء إضرابه عن الطعام رفضا لاعتقاله.


وفي اليوم التالي، قالت السلطات إن البحيري، قيد الإقامة الجبرية لوجود "شبهة إرهاب"، وهو ما نفاه فريق دفاعه والحركة، معتبرين الاتهام يحمل "دوافع سياسية".

 

وتشهد تونس أزمة سياسية حادة منذ 25 يوليو/ تموز 2021، حين بدأ رئيس البلاد قيس سعيد فرض إجراءات استثنائية، منها تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة، وتعيين أخرى جديدة.


وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس، وبينها "النهضة" هذه الإجراءات، وتعتبرها "انقلابا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بحكم الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011).

 

إقرأ أيضا: الرئيس التونسي: لست ديكتاتورا.. والسيسي يدعمه