كتاب عربي 21

ما أغفلته القمم الإحدى والثلاثون

1300x600

خلال عملي بالصحافة الورقية، وفور بدء جلسات مؤتمرات القمم العربية كنت أصوغ وأصدر بيانتها الختامية بنسبة نجاح تتراوح ما بين 98% و100%، وفاتني اصدار البيان الختامي لقمة الجزائر الأخيرة، لأنني كشأن غالبية مواطني دول من المحيط الى الخليج لم أسمع بها إلا بعد بدء جلساتها، ولو سمعت بها قبلاً لما اكترثت لها، ليقيني بأن ما سيسفر عنها هو "السح الدح أمبو" المعتاد، ولم يخب ظني في قمة الجزائر، فكما القمم الثلاثين التي سبقتها، تصدرت القضية الفلسطينية جدول أعمالها، وقيلت فيها المواويل المعتادة (ناقصا لاءات قمة الخرطوم في آب أغسطس من عام 1967 الثلاثة: لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل)، إلى جانب الكلام المعمم عن الأمن العربي، وإعراب القلق عن حالة الاحتراب الأهلي في ست دول (مما أتاح الفرصة لمشعلي النيران لعب دور الاطفائي).

لا توجد قضية أهم وأخطر من الفقر في العالم العربي، ومع هذا لم يكن لها نصيب في القمم الواحدة والثلاثين التي انعقدت ثم انفرطت. في 25 تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي نشرت عربي 21 عرضا لكتاب صناعة الفقر: جدلية الفقر والمعونة والفساد، لمؤلفه عصام شيخ الأرض بقلم توفيق المديني، جاء فيه "تعيش الجماهير العربية في مشرق الوطن العربي كما في مغربه، ظاهرة الفقر المدقع، إذ لا تخلو منها دولة من الدول العربية الشرق أوسطية و المغاربية، (لبنان، سوريا، الأردن، العراق، اليمن، مصر، السودان، الصومال، تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا). ومنذ مرحلة ما سمي بـ "الربيع العربي" التي انطلقت منذ سنة 2011، تعمقت ظاهرة الفقر، وأصبحت تنخر في خلايا المجتمعات العربية فتساهم في خلق الكثير من الآفات: الجوع، وسوء التغذية، والأمراض، والجهل"، ومن أهم ما جاء في الكتاب أنه حتى في الدول العربية الأكثر ثراء فلا أثر فيها لتنمية اقتصادية ملموسة أو مدروسة.

يقول شيخ الأرض: إن الفقر هو الحالة الاقتصادية التي يفتقر فيها الفرد إلى الدخل الكافي، للحصول على المستويات الدنيا من الغذاء، والملبس، والرعاية الصحية، والتعليم، وكل ما يعد من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق في الحياة، وفي غالب الأحوال ينتج الفقر عن المستوى المنخفض للتنمية الاقتصادية أو البطالة المنتشرة في المجتمع، وعرف برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) الفقر ببعد إنساني أعمق يتضمن عدم مقدرة الأفراد على العيش حياة طويلة مبدعة وصحية، واكتساب المعرفة، ونيل الحرية، والكرامة، واحترام الذات، واحترام الآخرين، والوصول إلى الموارد المطلوبة لتحقيق مستوى معيشي كريم.

الفقر المدقع في العالم العربي هو أخطر ما يتهدد مستقبل بلدانه، فعلى مستوى الحكومات يؤدي الفقر زيادة الديون لسدّ الضرورات والحاجيات الاستهلاكية بدلاً من الخوض في خطط النهضة والبناء والتعمير، ومن ثم إلى تبعية الشعوب الاقتصادية للدول والشعوب المانحة للقروض، وما يترتب عليها من آثار سلبية في جميع الجوانب والجبهات. وحيثما عم الفقر يزداد الفقراء فقراً وقلة قليلة من الأغنياء غنى؛ لأن الفقراء ليسو قادرين على المنافسة، فيخضعون للشروط التعسفية للأغنياء والشركات الاحتكارية.

 

الفقر المدقع في العالم العربي هو أخطر ما يتهدد مستقبل بلدانه، فعلى مستوى الحكومات يؤدي الفقر زيادة الديون لسدّ الضرورات والحاجيات الاستهلاكية بدلاً من الخوض في خطط النهضة والبناء والتعمير، ومن ثم إلى تبعية الشعوب الاقتصادية للدول والشعوب المانحة للقروض، وما يترتب عليها من آثار سلبية في جميع الجوانب والجبهات.

 



ويؤثر الفقر سلبا وبصورة كبيرة على التعليم، لأن الفقير لا يلقي بالاً للتعليم، وتكمن أولوياته في سدّ احتياجاته من الأكل، والشرب، واللباس، والعلاج؛ ممّا يجعل التعليم بالنسبة له من الأمور الثانوية، وبالتالي يرى الفقير أنّ الأفضل له ولأبنائه عدم الالتحاق بالمدارس، وإنّما السعي لكسب القوت، كما ان الفقر ينهك صحة الفرد والمجتمعات بسبب ما ينجم عنه من عدم توفر الغذاء، وإن وجد فقد لا يكون صحياً، ويكون الفقير عاجزا عن تلقي العناية الصحية، فبسبب شح الإمكانات فإنه لا يقوى على توفير المال اللازم لمقابلة طبيب او شراء الأدوية المناسبة لصحته إذا اعتلت، ومن ثم يرتبط الفقر بارتفاع خطر الإصابة بالأمراض، والأوبئة، والوفاة المبكرة، ولكن أخطر ما يسفر عن الفقر هو أنه البوابة التي تلج منها الخطايا الى البيوت والمجتمعات: السرقة والدعارة وضعف الوازع الديني والأخلاقي عموما.

والدول كما الأفراد تبقى عاجزة في ظل ظروف الفقر عن استغلال ما لديها من إمكانات، والسودان نموذج كلاسيكي هنا، فهو غني حد التخمة بالموارد الطبيعية، وقد أوجعت المناهج الدراسية في كل دول العالم العربي رؤوس ملايين الطلاب بأن السودان سلة غذاء العالم، ومع هذا لم تسمع تلك الملايين عن السودان سوى أن أهله يعانون من المجاعات والحروب الأهلية والكوارث الطبيعية التي يعجزون عن درء مخاطرها، وعن هجرة أكثر من عشرة ملايين من أهلها الى الخارج طلبا للقوت او السلامة.

تفيد تقارير البنك الدولي بأن قرابة 50% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر، أما في مصر ذات الخيرات العميمة فإن عدد السكان القابعين تحت خط الفقر يبلغ 26.1 مليون، بنسبة مئوية تصل إلى 27.8%، وفي عراق دجلة والفرات وأنهار النفط يرزح نحو 20% من السكان تحت وطأة الفقر، وقس على ذلك جيبوتي والصومال وموريتانيا وغيرها.

الفقر هو قضية القضايا الدولية، وهناك قرار دولي بجعل عام 2050 محطة مفارقة الفقر في جميع دول العالم، ومع هذا لم يحدث ان تضمن جدول أعمال أي قمة عربية هذه المسألة، ربما لأن الحكومات العربية تعتبر الاهتمام بها فرض كفاية: إذا قام به البعض سقط عن الباقين.