تقارير

إحسان عباس أيقونة فلسطينية في الترجمة والنقد

كان إحسان عباس رجل أدب مشهورا وكاتبًا غزير الإنتاج خلال حياته
زخر الشعب الفلسطيني بطاقات كامنة كبيرة في كافة مجالات الحياة التي تشكل بمجملها الهوية الوطنية الفلسطينية؛ ويعتبر النشاط المستمر في مستويات النقد والتحقيق والترجمة أحد أهم تلك المجالات لترسيخ وصيرورة الهوية الوطنية وتجذرها؛ وفي هذا السياق نستحضر سيرة ومسيرة شيخ المحققين والنقاد العرب الفلسطيني إحسان عباس.

نشأة وسيرة

وُلد إحسان عباس في قرية عين غزال الفلسطينية قضاء مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني في الثاني من كانون الأول / ديسمبر 1920، وفيها درس على يد أستاذ الدين تقي الدين النبهاني، وكان يحضر خطب عز الدين القسام في مسجد الاستقلال بحيفا، وفيها أنهى المرحلة الابتدائية؛ وطرد سكان القرية من قبل العصابات الصهيونية عام 1948؛ وتم تدميرها لاحقًا خلال عملية شوتر.

عندما كان طفلاً، كانت الكتب الوحيدة في منزل عائلته هي القرآن وموسوعة عربية شهيرة من القرن الخامس عشر تُعرف باسم المستطرف. غالبًا ما حزن عباس عندما كان يسمع اسم هذا الأخير بسبب الذكريات التي ربطها به.

نشأ عباس في فلسطين، أكمل دراسته الثانوية في حيفا وعكا قبل أن يلتحق بالكلية العربية في القدس من عام 1937 إلى عام 1941. ثم أمضى عباس السنوات الأربع التالية في التدريس في مدينة صفد الجليلية، وحصل على بكالوريوس الآداب في الأدب العربي من جامعة القاهرة في عام 1950. وتأثر ثقافيًا بمجلة الرسالة في مطلع شبابه إذ سماها "المعلم الأكبر"، ففيها كان يكتب نخبة من الأدباء والمثقفين العرب أمثال طه حسين ومصطفى الرافعي وأحمد حسن الزيات وزكي مبارك.

وعلى مدى السنوات العشر التالية، تنقل عباس بين دراسته في القاهرة حيث حصل على ماجستير في الآداب ودكتوراه في الفلسفة، وعمله في كلية جوردون التذكارية وجامعة الخرطوم. ركزت رسالة ماجستير عباس على الثقافة الأدبية العربية في جزيرة صقلية الإيطالية، بينما كانت أطروحة الدكتوراه الخاصة به حول موضوع الزهد الديني وتأثيره في الثقافة الأموية. في نهاية فترة عمله بالسودان، تم تعيينه أستاذاً في قسم الأدب العربي في الجامعة الأمريكية في بيروت، وهو المنصب الذي شغله حتى تقاعده عام 1985.

الإنجاز والمسار

لقب إحسان عباس بشيخ المحققين والنقاد العرب، حيث كان أستاذاً فلسطينياً في الجامعة الأمريكية في بيروت ويُعتبر شخصية بارزة في الدراسات العربية والإسلامية في الشرق والغرب خلال القرن العشرين.

ألف عباس ما يزيد عن مائة كتاب، خلال مسيرته الأدبية، واشتهر بأنه أحد أبرز علماء اللغة العربية وآدابها وكان ناقدًا أدبيًا مرموقًا.

عند وفاته، نعاه مؤرخ كلية لندن الجامعية لورانس كونراد واصفا إياه براعٍ للتراث والثقافة العربيين، وشخصية هيمنت دراساتها على الحياة الفكرية والثقافية في الشرق الأوسط لعقود.

حصل عباس على جائزة الملك فيصل العالمية من مؤسسة الملك فيصل الخيرية عام 1980. كما كان مساهمًا مهمًا في المجلة الثقافية العربية، وكان المترجم العربي لرواية الأمريكي هيرمان ملفيل "موبي ديك" التي صدرت في تشرين أول / أكتوبر عام 1851.

ترك الراحل إحسان عباس مخزوناً زاخرا من نتاجاته؛ تأليفا وتحقيقا وترجمة من لغة إلى لغة؛ فقد أنجز ما يزيد عن 25 مؤلفا بين النقد الأدبي والسيرة والتاريخ، وحقق ما يقارب 52 كتابا من أمهات كتب التراث، وله 12 ترجمة من عيون الأدب والنقد والتاريخ. ووصل مجموع أعماله إلى 100 عمل
كان عباس مشاركًا مهمًا في تجمعات مقهى نجيب محفوظ في القاهرة خلال الخمسينيات والستينيات. في خضم الحرب الأهلية اللبنانية عام 1981، ربما كان النشاط الفكري الأبرز في بيروت المستمر رغم الصراع هو لقاء أسبوعي للمثقفين والأكاديميين في منزل عباس.

توفي عباس في عمان، الأردن في 29 كانون الثاني / يناير 2003، عن عمر يناهز 82 عامًا بعد صراع طويل مع المرض. وترك الراحل إحسان عباس مخزوناً زاخرا من نتاجاته؛ تأليفا وتحقيقا وترجمة من لغة إلى لغة؛ فقد أنجز ما يزيد عن 25 مؤلفا بين النقد الأدبي والسيرة والتاريخ، وحقق ما يقارب 52 كتابا من أمهات كتب التراث، وله 12 ترجمة من عيون الأدب والنقد والتاريخ. ووصل مجموع أعماله إلى 100 عمل، وقد كان مقلا في الشعر لظروفه الخاصة كونه معلما وأستاذا جامعيا، وقد أخذه البحث الجاد والإنتاج النقدي الغزير من ساحة الشعر والتفرغ له.

كان عباس رجل أدب مشهورا وكاتبًا غزير الإنتاج خلال حياته، وقد أعاد نشر معجم السيرة الذاتية لابن بسام من القرن الثاني عشر، الذي خصص لمفكري شبه الجزيرة العربية، وحرره في ثمانية مجلدات ضخمة.

حلل عباس شعر عبد الوهاب البياتي وأهمية إشارات البياتي إلى سيزيف وبروميثيوس. رأى عباس الإشارات على أنها رمزية فلسفية، بينما ربطها موريه بسقوط الحزب الشيوعي العراقي. ساهم عباس بشكل كبير في تاريخ الأدب والكتاب العرب، وكان مسؤولاً عن جمع أعمال عبد الحميد الكاتب عام 1988، وكشف عن رسائل مؤرشفة بين السكرتير الأموي وآخر خليفة أموي مما سلط الضوء على الأعمال الداخلية للخلافة في أيامها الأخيرة. كان أيضًا أحد الكتاب القلائل الذين قاموا بتحليل نقدي للخوارج.

وفي مختلف مراحل مسيرته التي جعلت منه مرجعا علميا عالميا في الأدب والنقد، كان الراحل إحسان عباس فلسطينيا بامتياز، حمل هويته وصاغها في عمل إبداعي سيظل شاهدا ليس فقط على قدرة الفلسطيني على الإبداع والمنافسة على المراتب العلمية الأعلى، وإنما أيضا على مسار جيل فلسطيني لم يمنعه الاحتلال والتهجير والمنفى من التحصيل العلمي والإبداع فيه.

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا