قضايا وآراء

الثورة السورية: بعضٌ من وفاء وكثيرٌ من غدر

عربي21
بعد ثلاثة عشرة عاماً من انطلاقة الثورة السورية، للتخلص من نظام القمع والبطش في سوريا، ومع الجردة الهائلة لأرقام الخسائر في الأرواح، وجسامة التضحيات التي قدمها الشعب السوري لنيل حريته وبناء مواطنة تقوم على الديمقراطية والعدالة، يتلخص مشهد السوريين وثورتهم في تعميق محتوى ومضمون الرد على مطالبهم بدموية وحُطام لم يشهد لهما تاريخ سوريا المعاصر مثيلاً، إذا ما أضيف الخذلان العربي والدولي لهما على مستوى الممارسة والسلوك، ومحاباة جرائم النظام المدرجة ضد الإنسانية بفعل الإبادة الجماعية، والتهجير والقتل بأسلحة دمار شامل، والمصنفة جرائم حرب من منظمات حقوقية دولية ومحلية اعتمدت على الملايين من الشهادات والوثائق، التي تدين رأس النظام.

الثورة السورية التي تخطو نحو عام جديد، لم تهزم النظام عسكرياً، بعد اعتماده على دعم قوة عظمى (روسيا) وأخرى إقليميه (إيران) جربتا كل أنواع القتل والسلاح على شعبٍ أطلق حناجره الصادحة بهتاف الحرية، لكنها هزمته أخلاقياً وسياسياً وهزت أركانه مما استدعى تلاحما وتعاضدا من كل قوى الثورات المضادة عربياً ودولياً لمؤزارته وضرب الثورة بإيلام شديد، ليتم اليوم الحديث عن إعادة تأهيل النظام في دمشق وإعادة العلاقات معه تحت ذرائع "عربية- إنسانية- سياسية" أسقطها النظام السوري ودمرها مع شعاراتها، والعلاقة معه في سابق تربعه على السلطة لم تخدم حتى الشعارات التي اختبأ خلفها مع بقية النظام العربي.

الثورة السورية التي تخطو نحو عام جديد، لم تهزم النظام عسكرياً، بعد اعتماده على دعم قوة عظمى (روسيا) وأخرى إقليميه (إيران) جربتا كل أنواع القتل والسلاح على شعبٍ أطلق حناجره الصادحة بهتاف الحرية، لكنها هزمته أخلاقياً وسياسياً وهزت أركانه مما استدعى تلاحما وتعاضدا من كل قوى الثورات المضادة عربياً ودولياً لمؤزارته وضرب الثورة بإيلام شديد، ليتم اليوم الحديث عن إعادة تأهيل النظام

واليوم هل وصلت الثورة السورية إلى أفقٍ مسدود، فيما يتعلق بمسألة التحول السياسي واللجنة الدستورية وما عُرف بجولات سوتشي وأستانا وجنيف؟ أم أن في جعبة المجتمع الدولي أفكاراً أخرى يمكن أن تعبر بالسوريين نحو مستقبل الديمقراطية والتحرر؟ وما الخطوات الآيلة لذلك؟ أسئلة مهمة في عتمة الأخطاء الحثيثة لانهيارات عربية ودولية في تقديم سلسلة من التنازلات والتهافت المخجل للتطبيع مع الأسد تمهيداً لطمس جرائمه.. التطبيع مع من استنزف مقدرات السوريين البشرية والاقتصادية والجغرافية والأمنية وكان حجة الاستبداد والقمع في كل آن، من زمن شعارات رضعها النظام السوري عن المقاومة ودعم فلسطين وتحقيق الوحدة العربية، لتمرير أبد الاستبداد والطغيان لعقودٍ طويلة. والسؤال المربك أن عقود القهر والظلم دفعت السوريين للثورة، فكيف سيتم الضغط عليهم للتعايش مع من قتل مليون سوري وشرد الملايين ودمر مدنهم وقتل مئات الآلاف تحت التعذيب في معتقلاته، والقبول بوصايته عليهم تحت ستار "ليس بالإمكان أبدع مما كان"؟

تتردى أوضاع السوريين من سيئ إلى أسوأ، مع عدم اعتراف المتباكين عليهم بأن نظام الطاغية الأسدي قد أثبت فشله الذريع بجدارة في كل الملفات التي تهم السوريين ومستقبلهم، وسقط في ملف فلسطين وملفات عربية أخرى، غير أنه نجح في تحقيق ملف وحيد وانتصر به على السوريين بالقمع والوحشية التي أصبحت مثار إعجاب القوى الداعمة له وموضع ثناء أنظمة العسكر والانقلاب في العالم العربي، وشكلت وحشيته تفاضلاً سخيفاً بينه وبين جرائم المحتل الإسرائيلي.

ومن هنا نعبر لاستشراف مستقبل السوريين، الذي يحاول المطبعون مع الأسد بناءً على فهم الدور والوظيفة المرتبطة به فتح الثغرات المؤسسة لبنيته التي يفهمها الآخرون في العالم العربي ودول أخرى، من مصر إلى العراق وتونس والرياض والإمارات والأردن والخرطوم ولبنان وطهران وموسكو وواشنطن، انطلاقا من إيمان عميق بأن أي شكل من أشكال التغيير في سوريا بدون المنظومة الأسدية، سيكون تأثيره هائلا على الجميع وعلى وجه الخصوص في تل أبيب.

والجميع يعمق تواصله التطبيعي مع الاحتلال ومع النظام في دمشق للتركيز على مستقبل التحديات التي تواجهها إسرائيل من الثورات العربية، وتطلعها لقضايا مصيرية مثل الحرية والديمقراطية والمواطنة، وإلى عدالة يرنو إليها العربي، وقد مني بانتصار الثورات المضادة وعودة الاستبداد الذي يرى في "صمود" الطاغية السوري أملاً بتعاون عربي مشترك يلمسه الإنسان العربي في تشاركية قبضة القمع وفتح أقواس التطبيع استشرافاً للحقبة القادمة، والتي تتصور فيها إسرائيل أن "حقبة صهيونية" تطل عقابيلها الكبيرة من رؤوس أنظمة التطبيع مع الأسد، بعد التفسخ الكبير الذي أحدثه في المجتمع السوري. وبعد تسيّد القمع في أنظمة متقهقرة أمام المحتل وجرائمه في فلسطين، تتضح أهداف النظم العربية المتحدة على هزيمة الثورات العربية لما تحمل في طياتها بعداً إنسانيا عميقاً يعزز الحاجة للحرية والتحرر والديمقراطية والعدالة والمواطنة لاستنهاض المجتمعات.

تم التحضير والعمل بكثير من الغدر بالثورة السورية ولنفس الأسباب التي تم الغدر فيها بفلسطين وقضيتها، وبأدوات وأصوات وسياسات مفضوحة وعارية

والثورة السورية حملت بعضا من الوفاء لهذه الأسس التي من شأنها أن تعزز من حيوية دعم أشقائها في الثورات العربية ومنها فلسطين دون عوائق المستبد ومتاجرة الطاغية، ولما تعطيه فكرة الحرية والمواطنة من حيوية من شأنها أن توحي بمستقبل زاهر تسعى إليه مجتمعات القهر العربي.

تم التحضير والعمل بكثير من الغدر بالثورة السورية ولنفس الأسباب التي تم الغدر فيها بفلسطين وقضيتها، وبأدوات وأصوات وسياسات مفضوحة وعارية. واستناداً للخاتمة فإن السوريين ومن يقبع تحت سطوة القمع والقوة والقتل، لديهم تأكيد وعزيمة بأن حلم الحرية سيبقى ماثلاً في خيال ونفوس عربية لا تستطيع قوة الطاغية والمحتل أن تُبدده.

twitter.com/nizar_sahli