إن الإنسان مكلَّفٌ يحاسَب على ما كُلف به، على ما كسب وما اكتسب، ومن ذلك عيشه وعمله وسلوكه.. إلخ، وإن مجرَّد العيش تكليف فلم يُخلق الإنسان عبثاً.. ولمن يريد أن يتأمَّل ويتدبَّر ويتفكَّر ويخوض في الماديات والروحانيات والماورائيات والتفاسير والتأويل والدلالات، عبر الديني والدنيوي فإنَّ له أن يفعل..
لم تستطع العلمانية أن تَجُبّ المعطى الديني كما أراد دعاتها ومنهم أحزاب ودول، وبقي حاضراً ومؤثراً في السياسات والممارسات وشتى ميادين الحياة الاجتماعية كمرجعية ثابتة وفاعلة ومتجذرة الوجود في التشريع والفكر والعلاقات والمعاملات والعبادات..
العلمانية أي "اللادينية" أو "الدنيوية" secularism، نبتٌ غربي، بدأ هناك مع صلح أو "اتفاق" ويستفاليا، Westphalia "منطقة شمالي الراين في ألمانيا" عام 1648، وهو الاتفاق الذي أنهى حرب الثلاثين عاماً (1618- 1648) في الإمبراطورية الرومانية..
لقد فعلت خيراً أكثريةُ الشعب الأمريكي التي نذرت نفسها للتخلص من ترامب وإدارته، وعلى رأسهم أعضاء في مجلس النواب.. لقد فعلَت خيْراً لها ولغيرها، فقد خلصت بلادها من عنصري فوضوي ديماغوجي، وخلصت العالم من جاهل أحمق يسيء استخدام قوة أكبر دولة في العالم ويشوه صورتها بنظر دول وشعوب..
إن مناعة المجتمعات ضد الفساد والإفساد والمستثمرين فيهما والساكتين عليهما تحتل، أو ينبغي أن تحتلَّ، المَرتبة الأولى من الاهتمام، اهتمام العقلاء والعلماء والعارفين والمؤمنين والمصلحين وأهل الانتماء والحكمة من المفكرين، واهتمام الساسة والمؤسسات المعنية بالسلامة الاجتماعية والأخلاقية والوطنية..
غاية البؤس ما نعيشه نحن البشر الفقراء المستضعفين الطيبين والمُسْتَهدفين من الكبار والساسة وتجار والأوبئة، ونبقى على مشارف اليأس، نستشرفه من قنن الأحداث والأحقاف حيث يبقينا الرعب والتمزق والصمت.. يا ويلنا إن نحن شكونا..
نحن اليوم أمة أنهكتها حروب وصراعات دامية مجنونة، في داخل أقطار من أقطارها دمار ونار، وهناك من يصب على النار فيها زيتاً لتزيد اشتعالاً وإحراقاً. أمة يتحالف المتقاتلون مِن أبنائها مع مَن يستدعيهم ساسة "مؤلَّهون"، وزعماء مستأجرون، وقادة ضالون ومعارضون تابعون..
إن ما جرى في البيت الأبيض يوم ١٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٠ دعم صريح لترامب في انتخابات الرئاسة، ودعمٌ لنتنياهو في محاولاته التخلص من المحاكمة على قضايا رشوة وفساد وخيانة الأمانة.. وما جرى وصمة عار على من وقّع معاهدة وبيان تآمر على الشعب الفلسطيني..
علينا نحن العرب أن نواجه بوعي مسؤول حقيقة أن تطبيع الإمارات مع العدو الصهيوني ليس عملاً منفرداً بل هو واجهة لتنسيق بين دول عربية تسير في هذا الاتجاه، وأن نكشف مَن يُظهر ما لا يبطن، ومن يتآمر في الخفاء والعمق، وأن نفضح مَن يحاول الإلتفاف على الحقائق والوقائع بينما هو في مسار هذا التطبيع ووراءه،
عربُ التَّطبيع المُستجد يريدون باعترافهم بالصهاينة وتطبيعهم للعلاقات معهم، محاصَرة الشعب الفلسطيني مع مَن يحاصرونه، وعزله عن أمته لإجباره على التنازل عمَّا بقي له من أرض وحقوق وكرامة، وجعله يستسلم للصهاينة، وينهي قضيته العادلة..
إن أولئك الذين تعلو أصواتُهم عند كل مُصاب عربي، ويجاهرون بالعداء والشَّماتة والتّشفي بمناسبة وبغير مناسبة، ويرتزقون بتنمية العداء والكراهية، إنما يخدمون أهداف أعداء الأمة وبرامجهم، سواء وعوا ذلك أم لم يعوه، ويعملون على تسميم العلاقات..
بعد دخوله إلى دمشق ذهب الجنرال غُورو إلى ضريح صلاح الدين الأيوبي، قرب الجامع الأموي بدمشق، في حركة ذات دلالة كبيرة لمن يريد أن يستقرئ التاريخ ويدفع الضيم عن الأمة والدين، وقف غورو أمام الضريح وقال هناك جُملة مشهورة: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"..
إن على الساسة العرب واجباً يقتضيه الوجود والمصير والخُلُق والضمير والدين، يتمثل حده الأدنى في موقف جاد رافض "للعدو والضَّم"، منذر بخطوات وإجراءات عملية حازمة يتخذونها بمسؤولية تاريخية.. ويبقى السؤال معلَّقاً: هل يقدرون على ذلك؟!
لِي أَن أسأل ولك أن تسأل، ولنا الغَصَّة في الحَلْق والدَّمْعَة المتجمدة في المُؤَق.. ولن يغير ذلك من الأمر شيئاً.. إن معظم البشرية تعاني بسبب من يحكُم ومن يملك ومن يظلم ومن يستبد ويبطش ومن يحرِم الناس من الحقوق والحريات ومن رفع الصوت..
إن العربيَّ معنيٌّ حُكْماً بكل ما يجري على أَرض يعيش فيها وأناسُه، حيث يعانون ويبنون، ويحزنون ويفرحون، ويتماهون ومع كل ما فيها في كيان صحيّ، قوي، راسخ، حيٍّ، مسؤول، نهضويٍّ، عصريٍّ مبدع..
ها هي الأفعى الصهيونية اليوم تنطلق من فلسطين المحتلة بشراسة ضد الأمة العربية وقضيتها المركزية، قضية فلسطين، وتنشر سموم الفرقة وأوبئتها، وتستمر في نهش الجسد العربي لإضعافه بكل الوسائل والسبل والأدوات..