أفكَار

إذا كان الدين لا يكره الناس على اعتناقه.. فكيف يجبر الأعجمي على تغيير لسانه؟

أحمد بن نعمان: لماذا لا يعتمد المسلمون الوطنيون العربية لغة التعامل فيما بينهم بدل الإنجليزية دوليا؟
لقد كنا نظن (وبعض الظن ليس إثما!؟) بأننا أوفينا موضوع العلاقة العضوية بين الإسلام والعربية حقه وفصلنا الحديث حوله في عدة مؤلفات ومنشورات ومحاضرات على امتداد ما يقارب النصف قرن.. وقلنا بأن الإسلام لا يكره الناس على اعتناقه.. فضلا عن إكراههم على تبني لسانه.. لأنه دين العقل والمسؤولية والحرية..

ولكن هناك بعض (المكلفين بمهمة النواح بأجر هنا في الجناح الغربي من الوطن العربي !؟) من يتعمد تكرار هذا الاعتراض بكيفية لا تصدر إلا عن مترصد عنصري انفصالي أو استحلالي خبيث لخدمة أهداف لا علاقة لها بالإسلام الذي يدعيه ولا باسم الوطن الذي يعيش فيه أو ينتسب بأوراق جنسيته إليه!؟

ولهذا لا نتركهم يعبثون بعقول ورثة عبد الكريم الخطابي وعبد الحميد بن باديس وعبد العزيز الثعالبي وعلي فهمي خشيم من الشباب المستنير بمصابيح الأمة المتعاقبين عبر المئات من السنين.

فنريد أن نسير على نهجهم ونفضح أهداف أعدائهم الباطنيين والظاهرين المتعاونين مع آباء رغالهم  وأبناء علقمهم الذين لا يخلو منهم أي عصر أو مصر، فنوضح أخطاءهم ونحدد أخطارهم على وحدة الأمة، حتى لا يحققوا أغراضهم  في تسميم وتضليل وتشويش رؤى شبيبتنا الوطنية المتعطشة لمعرفة الحقيقة باستعمال العقل (قبل النقل) للحكم على الكلام الموجه إليهم من أي طرف كان في هذا الفضاء الموهوب لنا من السماء لأننا علمناهم أن يعرفوا الرجال بالحق ولا يعرفون الحق بالرجال مهما بدوا من ظاهرهم الخادع  الذي قد يناقض الحق في الواقع من باب النفاق المغلف بالأخلاق!؟

ومن العبارات النمطية المجترة في كل حين من هؤلاء المستوطنين الجدد بأسماء محلية للتعمية كما تلاحظون هو ترديد قولهم بأنهم مسلمون ولكنهم ليسوا عربا ولم يعربهم  الإسلام!؟  وأن الإسلام لم يأت ليعرب الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أميين! وأن الإسلام لا يناقض نفسه بمعارضة آية من آيات الله في الكون وهي اختلاف الألسنة والألوان! وأن العربية ليست ركنا سادسا من أركان الإسلام.! وأن العروبة (وهي الانتماء إلى الناطقين باللسان القرآني في الأمة الإسلامية) هي عنصرية وبدعة (بعثية!) ما أنزل الله بها من سلطان.. وكأن مبادئ الثورات في البلدان المغاربية ضد الغزاة ومقاومة التنصير والفرنكوفونية ومسخ اللسان والهوية والانتماء إلى الامة المحمدية هو انحراف وعنصرية!؟

واستدلالهم القياسي (الأعوج والأعرج والأهوج) بقولهم أن الإسلام  لو كان يعرب  لعرب إيران وتركيا وأندونيسيا وباكستان وبنغلادش وماليزيا وألبانيا.. وما إلى ذلك من تلاعب لفظي ساذج (ينقض الوضوء للمصلين ويفسد الايمان للمسلمين)  لتفاهة معناه ودناءة مرماه في نظر الوطنيين المستنيرين بالعقل والعلم والإخلاص في الدين لله ووحدة المسلمين.

ولذلك يتعين علينا أن نكرر لهم للمرة الألف ما ذكرناه مرارا كما أسلفنا بأن الإسلام يهدي ويقنع ويترك المهتدين أحرارا في الاختيار بعيدا عن أي إكراه أو إجبار! وهذا هو سر انتشار الإسلام المبني على قناعة في الأذهان قبل السلوك الصادق بالقول والفعل في الميدان!

ونكرر لهم كذلك ما قلناه مرارا لكل ذي عقل وإدراك سليم بأنه لا إكراه في الدين بالنسبة للإيمان.. ولا إكراه في اللسان بالنسبة للإنسان.

ولكن لا نقف هنا عند (ويل للمصلين) ونطالب هؤلاء الزنادقة بأن يعترفوا معنا أيضا بأن الإسلام إذ لا يكره الناس على الإيمان أو تبني لسان القرآن وطنيا وجماعيا وقوميا..فهو لا يمنعهم كذلك أن يعتنقوه عن حرية وصدق واقتناع ويتعلموا لسانه بالاكتساب والانتماء إلى قوم اللسان العدناني بالانتساب والاستعراب  كوسيلة فعالة ووحيدة لفهم الرسالة وتبليغها لكافة المسلمين والتفاهم فيما بينهم وتأدية فرائضهم اليومية على اعتبار أن ما لا يقوم الواجب إلا به يعتبر واجبا بالضرورة عند كافة المسلمين الصادقين من غير الزنادقة والمنافقين الضالين والمضلين والنائحين بأجر (وبدون اجر) من المتطوعين الموتورين وورثة المشركين  من أصحاب السبت و بقايا المندسين من معركة  صفين!

الإسلام يهدي ويقنع ويترك المهتدين أحرارا في الاختيار بعيدا عن أي إكراه أو إجبار! وهذا هو سر انتشار الإسلام المبني على قناعة في الأذهان قبل السلوك الصادق بالقول والفعل في الميدان!
فمثلما لا يمنع الإسلام بقاء أهل الفتنة والضلال على كفرهم الظاهر والباطن (للتقية)، لا يمنع كذلك من باب أحرى وأولى أي مسلم أن يتبنى لغة القرآن لسانا قوميا له في أي قطر من أقطار الأمة في أي مكان على امتداد اللسان والآذان مثلما وقع لأجدادنا الصادقين بعد الفتح المبين منذ 14 قرنا من التاريخ المتواصل بدوله المتعاقبة على بلداننا الموحدة الوجدان تحت راية لغة القرآن السيدة الوحيدة في التعامل والتواصل العلمي المكتوب بين الأفراد والشعوب قبل غزو بلداننا الإسلامية من المغول والصليبيين، أحفاد الوندال والرومان في القرن العشرين!

ماذا يمنع إذن عقلا ونقلا ودينا وقانونا ومنطقا بشريا أي مسلم مؤمن في العالم الإسلامي أن يتبنى اللسان القرآني إذا كان هذا المسلم صادق الاعتقاد ومخلصا لوحدة المسلمين، وغير متعصب لجنس أو قومية سياسية أو انفصالية على حساب العقيدة الدينية الجامعة المانعة في الدنيا والآخرة؟ (على غرار ما نوى فعله ضياء الحق في باكستان فقتلوه وما ينوي فعله الطيب أردوغان في تركيا الآن فهم يحاربونه على نيته مثل سلفه مندريس  الذي عرب الآذان  من قبله).

هذا هو سر تعرب كل الشعوب الإسلامية الحالية الناطقة باللسان العربي الرسالي  وليس السلالي الانفصالي  المتستر بثياب  فولكلورية محلية ليس لها أية صلة بالهوية الوطنية من الناحية العلمية.

وقد تخصص لهذا الموضوع  المتاجر به مقالا مفصلا بذأنه حتى نسقط كل الذرائع لدى المغالطين من أصحابه المغرضين والمقاولين لحساب أعداء وحدة الأمة والدين  !!

وإذا ناقضنا هذا المبدأ الإسلامي في حرية الإيمان وتبني اللسان من الشعوب والأفراد، ندخل في الإكراه المرفوض من الإسلام ذاته كما أثبتنا آنفا في اعتناق الدين وتبني لسان الدين من ربع المسلمين في العالم اليوم.

و ليعلم  هؤلاء المنافقون الباطنيون  والعنصريون أن 95%من المسلمين في العالم يعيشون ثقافيا وفقهيا ودعويا على علماء هذا الربع من المسلمين الناطقين بالعربية اليوم وعلى امتداد كل القرون الذهبية للحضارة الاسلامية في حواضرها العامرة المشعة عبر الزمان في غرناطة وقرطبة ودمشق وبغداد والأزهر وتلمسان وفاس وبجاية والزيتونة والقيروان.

وإذا تركنا ربط العرق والسلالة باللسان والرسالة (كما فصلنا في عدة منشورات علمية  بأمثلة حية معاصرة لواقع دول بعيدة عنا ثقافيا ومجاورة لنا جغرافيا كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا مثلا). إذا تركنا ذلك لعالم الإكراه والإجبار الذي ما أنزل الله به من سلطان.. تبقى الحرية هي الأساس والمقياس الوحيد في حياة الناس.. وتبقى القاعدة الذهبية هي الأغلبية العددية المعبرة لترجيح الكفة في الحكم على أية قضية مصيرية كقضية الهوية الوطنية الدينية واللغوية التي لولا تمسك الشعوب العربية بها لكانت معظمها اليوم  غرناطة إيطالية أو إسبانية أو فرنسية.

وهذه هي القاعدة التي تأسست عليها الحضارة الإسلامية على امتداد عصورها الذهبية وقامت على مبدئها الأمة المحمدية دينيا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا على ما هي عليه الآن (مشرقا ومغربا) بين العرب المسلمين والمسلمين الأعاجم (أي غير الناطقين بالعربية للأسباب المذكورة آنفا،،،). وعرب نصارى وحتى يهود في جل الأقطار العربية الحالية.

وهذا أقوى دليل وأسطع برهان على أن الإسلام لا يكره الناس على الدخول فيه ولا يكرههم على تغيير ألسنتهم من أجله إلا طوعا مثل مئات الملايين من المستعربين في العالم الاسلامي بعد إسلامهم الصادق مثلنا.. وإلا لما وجد الأعاجم في الأمة الإسلامية أصلا كما هو واقع اليوم في البلدان التي يستشهدون بها مما ذكرنا ومما لم تذكر.

ماذا يمنع إذن عقلا ونقلا ودينا وقانونا ومنطقا بشريا أي مسلم مؤمن في العالم الإسلامي أن يتبنى اللسان القرآني إذا كان هذا المسلم صادق الاعتقاد ومخلصا لوحدة المسلمين، وغير متعصب لجنس أو قومية سياسية أو انفصالية على حساب العقيدة الدينية الجامعة المانعة في الدنيا والآخرة؟
وإذا كان هذا هو الواقع الذي لا يماري فيه إلا جاهل متعصب أو عدو منافق زنديق ومرتد من الكولون الجدد المتجنسين والمرتدين من أحفاد كسيلة وأبرهة وأغسطين، فهؤلاء وحدهم هم الذين يدعون أنهم  مسلمون ولكنهم غير عرب، وهم في الحقيقة غير مسلمين أصلا كما تحديناهم أن يظهروا هوياتهم  الإسلامية بأفعالهم وليس باقوالهم من وراء رموزهم الشبحية وأسمائهم المستعارة في الغالب، وهو موقف لا يستقيم أبدا مع المنطق الإسلامي والإيماني المفصل آنفا، لأنه من غير المنطقي أن يدعي الإنسان تغيير ما في قلبه من كفر وشرك ويمتنع أو يرفض تبني لسان دينه باسم التمسك بأوهام الجذور وأعياد  الفولكلور وهوية النقوش فوق الصخور في الكهوف والجبال والوديان منذ ما قبل الطوفان!

إلى هؤلاء الذين يدعون أنهم مسلمون (ولكنهم غير عرب) نقول لهم: لا توجد أية هوية عربية وغير عربية بالسلالة وإنما الهوية الوطنية كلها بالثقافة السائدة والغالبة في أي مجتمع بشري.. وهناك فرق جوهري يحدده العلماء بين الأنماط العامة للثقافة الوطنية والسمات المحلية الفولكلورية للثقافة الشعبية  القروية والجهوية. وهذا التمييز الوطني والإقليمي للأنماط الثقافية العامة يتم بالانتخاب وليس بالانقلاب  والحكم دائما للأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية حسب جميع الشرائع السماوية والوضعية.. والثقافة كلها اكتساب بإرادة المكتسبين والمنتسبين وليس لها أية علاقة بمورثات الوالدين (انظر الحديث الشريف: "يولد الطفل على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".

إن الإسلام اختيار واكتساب حر وصفاء.. والعروبة اكتساب وانتساب للسان يربط أهل الأرض بوحي   السماء.

نحن إذن نقر هؤلاء كلهم بأن الإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه ولا يفرض بالتالي لسانه على أحد من أتباعه.. ونسألهم عن المسلمين في إيران وتركيا وباكستان وماليزيا وغيرها.. فهل وجدوا فرصة لتعلم اللغة العربية وامتنعوا عنها وحاربوها لصالح أعدائها من القوميين العنصريين الحاقدين على الإسلام ولسانه الميسر مع كتابه للعالمين إلى يوم الدين؟

عندما يشبه هؤلاء الزنادقة والمنافقون بلاد المغرب العربي بإيران أو تركيا أو ماليزيا أو باكستان والبنغال.. فإننا نسألهم عن هذه الدول والشعوب هل لها لغة واحدة وطنية ورسمية سيدة ومقدسة (أكثر من القرآن ذاته مثلما كان  الحال وما يزال في تركيا  العلمانية؟).

فالجواب القاطع هو أن لهذه الدول الإسلامية عدة لغات محلية وجهوية شفهية ومكتوبة بما فيها العربية (كما هو الحال في باكستان وايران وتركيا الآن..) ولكن ليس لها إلا لغة واحدة وطنية ورسمية كما قلنا.. في حين أن في هذه الدول ذاتها عدة أديان.. متعايشة في إطار القانون المحترم من مواطنيها! . لكن اللغة الدستورية واحدة في هذه البلاد باختيار أغلبية الشعب المصوت على الدستور الوطني الجاري به العمل، وذلك لأن اللغة متعلقة بالهوية والوحدة والسيادة.. أكثر من الدين ذاته الذي يمكن تجاوزه بالعلمانية مثل فرنسا ولبنان وتركيا وغيرها..

ولكن اذا أمكن فصل الدين عن الدولة،  فهل يمكن لفرنسا السيدة اليوم مثلا أن تفصل لغة الدولة عن إدارة الدولة وسيادتها ووحدة شعبها داخل الدولة الواحدة رغم أن بها أكثر من 10 لغات محلية وجهوية مكتوبة وشفوية بما فيها (الغولوا) لغة أجداد الفرنسيين قبل الفتح الروماني الذي رومن السكان بعد تنصيرهم فتبنوا اللسان مع صليب الرومان وبقوا كذلك حتى الآن؟ وهم يضمون كل الأجناس البشرية الذين لا يوحدهم إلا اللسان الفرنسي السيد في التعامل بين السكان في كل مكان داخل سيادة  الدولة ولا عذر للأميين والجاهلين للقانون من مختلف الأصول والأديان والبلدان بما فيهم بلاد المغرب العربي بكل لهجاتهم  العربية والبربربة المستعملة شفاهيا كمل الأقليات خارج إدارة الدولة الفرنسية التزاما بمستلزمات الجنسية مثل واقع كل المتجنسين في الدول الغربية!

اذا أمكن فصل الدين عن الدولة، فهل يمكن لفرنسا السيدة اليوم مثلا أن تفصل لغة الدولة عن إدارة الدولة وسيادتها ووحدة شعبها داخل الدولة الواحدة رغم أن بها أكثر من 10 لغات محلية وجهوية مكتوبة وشفوية بما فيها (الغولوا) لغة أجداد الفرنسيين قبل الفتح الروماني الذي رومن السكان بعد تنصيرهم فتبنوا اللسان مع صليب الرومان وبقوا كذلك حتى الآن؟
وكل البلاد  المجاورة لفرنسا مثلها وفيها أقليات دينية ولسانية ولكن لها لغة واحدة وطنية ورسمية رمزية وسيادية إجبارية كالقانون تطبق على الجميع دون استثناء! فهل فعلت الدول المغاربية المسلمة الحالية غير ما فعلته هذه البلدان المسلمة والمسيحية المذكورة بالنسبة للغة الأغلبية؟

اطلبوا السيادة والوحدة الوطنية ولو في البلاد الغربية ولا تتاجروا بالدين الحنيف واللهجات المحلية وتصنعون بها من الحبة  قبة وتخلطون بين الجنسية والهوية والغاية والوسيلة والأمة والقبيلة.. وإن اللهجات المحلية واللغات الشفهية مثل الحوت إذا خرجت من بحر الأمية إلى اللغة المدرسية والعلمية تموت.. ويمكنك أن تبني عمارة شاهقة في أيام أو ساعات ولكنك لا تبني شجرة مثمرة خارج مناخها في سنوات. وذلك هو شأن بناء العمارات بالعضلات وبناء اللغات والحضارات. ولذلك يوجد في العالم أكثر من ستة آلاف لغة محلية شفاهية ولا يوجد أكثر من مئة وخمسين لغة مكتوبة في تاريخ البشرية  تتقاسمها كل دول الأمم المتحدة الحالية.

ولذلك نقول :إذا اعتبرنا أن اللغات الإسلامية في العالم مثل العملات الوطنية الرسمية والسيدة محليا، فلماذا لا يعتمد المسلمون الوطنيون العربية لغة التعامل فيما بينهم بدل الإنجليزية دوليا؟ أم أن الخيانة وإدمان المركوبية والقابلية للاستعباد والاحتلال لدى بعض النخب غير الشعبية المتحكمة في الأغلبية هي المكرسة للتبعية تحت غطاء الاستحلال المغلف (بورقة) السيادة والاستقلال؟

رحم الله كل شهداء الأمة الذين يجازون على صدق نياتهم عند ربهم في جميع الأحوال.